للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ} ١.

فعند تنزل هذه الآية الكريمة، كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم هم الأمة؛ ولذلك قال السلف إن المراد بـ "الأمة" الصحابة عامة، أو بعض فئات منهم٢.

فالحصابة رضوان الله عنهم، ثم من اتبعهم واقتدى بهم واهتدى بهديهم ممن جاء بعدهم من القرون يمثلون الأمة الوسط المذكورة والمعنية في الآية الكريمة.

ثم لما بدأ التفرق والخلاف في هذه الأمة في أواخر عهد الصحابة لعوامل كثيرة -سنعرض لها في موضعها إن شاء الله تعالى- انحرف أكثر فرق الأمة عن الصراط المستقيم، وأخذت بهم السبل ذات اليمين وذات الشمال. بين غال، وجاف، ومفرط ومفرد، فانحطت وسطية هذه الفرق بقدر إفراطها وتفريطها وغلوها وجفوها، وبقدر ما ابتعدت عما كان عليه النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه، على أنه لا يزال اسم الأمة يصدق على الجميع لقوله صلى الله عليه وسلم في حديث الافتراق: "وتفترق أمتي على ثلاث وسبعين فرقة" ٣؛ فجعلهم جميعًا أمته مع تفرقهم وكونهم في النار إلا واحدة، كما أخبر صلى الله عليه وسلم.

ولا يزال فيهم من الخير والوسطية والعدالة أكثر مما في غيرهم من فرق الأمم السابقة؛ فعموم الوسطية ثابت لهم على غيرهم؛ لأن كل شر فيهم فهو في غيرهم من فرق الأمم السابقة أكثر وأعظم، وكل خير وفضل في فرق الأمم السابقة؛ ففي فرق هذه الأمة ما هو خير منه وأعظم.

فالخيرية والوسطية ثابتة لهذه الأمة على سائر الأمم، وخير هذه الأمة


١ سورة آل عمران آية ١١٠.
٢ أخرج ذلك الإمام ابن جرير في تفسيره عن ابن عباس وعمر بن الخطاب وعكرمة رضي الله عنهم "٧/ ١٠١- ١٠٢".
٣ تقدم تخريجه. انظر: ص ٤٨.

<<  <   >  >>