للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الجوانب في المدور، ومن الطرفين في المطول، كمركز الدائرة ولسان الميزان من العمود، ثم استعير للخصال المحمودة لوقوعها بين طرفي إفراط وتفريط"١.

فكما أن جميع الجهات تتساوى أبعادها بالنسبة للوسط؛ فكذلك العدل يتساوى لديه الخصمان ولا يميل إلى إحداهما. فإذا مال لم يكن عدلًا ولا وسطًا.

المعنى الثاني: الخيرية

فمعنى قوله تعالى: {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا} ؛ أي: خيارًا. قال الحافظ ابن كثير في تفسير الآية: "يقول تعالى: إنما حولناكم إلى قبلة عإبراهيم علي السلام، واخترناها لكم لنجعلكم خيار الأمم، لتكونوا يوم القيامة شهداء على الأمم؛ لأن الجميع معترفون لكل بالفضل. والوسط هاهنا: الخيار والأجود، كما يقال: قريش أوسط العرب نسبًا ودارًا؛ أي: خيراها، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم وسطًا في قومه؛ أي: أشرفهم نسبًا"٢ فالوسط من كل شيء خياره، وقد تقدم ذلك في معاني الوسط في الغلة في أول التمهيد٣.

وقد أخبر الله عز وجل عن خيرية هذه الأمة بقوله: {كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ} ٤.

المعنى الثالث: أن الوسط في الآية بمعنى الاعتدال والتوسط بين طرفي الإفراط والتفريط:

وهذا المعنى اختاره الإمام ابن جرير الطبري في تفسير الآية فقال: "وأنا أرى أن "الوسط" في هذا الموضع، هو الوسط الذي بمعنى: الجزء الذي هو بين الطرفين، مثل "وسط الدار" محرك الوسط مثقله، غير جائز في "سينه".


١ أبو البقاء: الكليات ٥/ ٣٩.
٢ تفسير القرآن العظيم ١/ ٢٧٥.
٣ انظر: ص ١٥ وما بعدها.
٤ سورة آل عمران آية ١١٠.

<<  <   >  >>