للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

فإن قيل هذا محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولا يستغرب منه مثل هذا العدل، ومن يعدل إن لم يعدل هو؟

قلنا: وهذا رجل من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم عمر بنا لخطاب رضي الله عنه، يهتدي بهدي رسول الله صلى الله عليه وسلم، فيقيم العدل والقسط بين الناس يحكم بالحق لرجل يهودي على مسلم، ولم يحمله كفر اليهودي على ظلمه والحيف عليه. أخرج الإمام مالك من طريق سعيد بن المسيب١: أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه اختصم إليه مسلم ويهودي؛ فرأى عمر أن الحق لليهودي فقضي له، فقال له اليهودي: والله لقد قضيت بالحق٢.

وكان رضي الله عنه يأمر عماله أن يوافوه بالموسم، فإذا اجتمعوا قال: أيها الناس! إني لم أبعث عمالي عليكم ليصيبوا من أبشاركم، ولا من أموالكم؛ إنما بعثتهم ليحجزوا بينكم، وليقسموا فيئكم بينكم؛ فمن فعل به غير ذلك فليقم، فما قام أحد إلا رجل واحد قام فقال: يا أمير المؤمنين إن عاملك فلانًا ضربني مائة سوط. قال: فيم ضربته؟ قم فاقتص منه، فقام عمرو بن العاص فقال: يا أمير المؤمنين إنك إن فعلت هذا يكثر عليك ويكون سنة يأخذ بها من بعدك، فقال: "أنا لا أقيد وقد رأيت رسول الله يقيد من نفسه قال: فدعنا فلنرضه، قال: دونكم فارضوه، فافتدى منه بمائتي دينار كل سوط بدينارين"٣، ولو لم يرضوه لأقاده رضي الله عنه.

وجاءه رجل من أهل مصر يشكو ابن عمرو بن العصا واليه على مصر


١ هو: سعيد بن المسيب بن حزن، عالم أهل المدينة وسيد التابعين في زمانه، ولد لسنتين مضتا من خلافة عمر رضي الله عنه وقيل: لأربع مضين منها بالمدينةز ومات سنة أربع وتسعين. الذهبي، سير أعلام النبلاء ٤/ ٢١٧.
٢ ط: كتاب الأقضية، باب الترغيب في القضاء بالحق ص ٧١٩، ح ٢.
٣ ابن سعد، الطبقات الكبرى ٣/ ٢٩٣- ٢٩٤. "نشر: دار صادر ١٤٠٥ هـ".

<<  <   >  >>