للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

والنصارىِ: غلوا في الرهبنة، وتعبدوا ببدع ما أنزل الله بها من سلطان، ولا أمرهم بها نبي ولا رسول، فاعتزلوا الناس، وانقطع عبادهم في الأديرة والخلوات وألزموا أنفسهم ما لم يلزمهم الله به مما يشق على النفس والجسد، ويغالب الفطرة البشرية ويضادها؛ فلم يستطيعوا الوفاء ألزموا أنفسهم به من ذلك كما قال عز وجل عنهم: {وَرَهْبَانِيَّةً ابْتَدَعُوهَا مَا كَتَبْنَاهَا عَلَيْهِمْ إِلَّا ابْتِغَاءَ رِضْوَانِ اللَّهِ فَمَا رَعَوْهَا حَقَّ رِعَايَتِهَا فَآتَيْنَا الَّذِينَ آمَنُوا مِنْهُمْ أَجْرَهُمْ وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ فَاسِقُونَ} ١.

والمسلمون: عبدوا الله وحده بما شرع، ولم يعرضوا ويستكبروا عن عبادته كما فعل اليهود، ولم يبتدعوا في عبادتهم ما لم يأذن به الله، كما فعل النصارى.

ولم يقصروا فيما فرض عليهم من العبادات، وأمروا به من الفراض والنوافل ولم يفرطوا في التعبد فيحملوا أنفسهم ما لا يطيقون؛ بل كانوا بين ذلك على صراط مستقيمِ، فصاموا وأفطروا، وقاموا الليل، وناموا، وتزوجوا النساء وجاهدوا في سبيل الله بأموالهم وأنسهم ولم ينسو نصيبهم وحظوظهم من الدنيا، قدوتهم في ذلك نبهيم صلى الله عليه وسلم.

وبعد:

فجوانب وسطية هذه المة كثيرة ومظاهر ذلك يتعذر علينا حصرها، بله تفصيلها؛ فليس ذلك بسمتطاع في مثل هذا المقام؛ ولكن سنكتفي بما سبق أن أجملنا ذكره من ذلك، وسنعرض بشيء من التفصيل للمظهر الأول والثاني في المبحثين الآتيين، وبالله التوفيق.


١ سورة الحديد من آية ٢٧.

<<  <   >  >>