الكثير، بل فيه ما يدل على بشرية المسيح وعبوديته، وأنه نبي وليس بإله، وليس من غرضنا هنا ذكر ذلك؛ وإنما القصد الإشارة إلى قولهم بألوهية المسيح وبنوته لله عز وجل.
الأمر الثالث:
خذلانهم لنبيهم وعدم نصرته: إن من الواجب على أتباع الرسل وخاصة أصحابهم وحوارييهم، أن ينصروهم ويعزروهم، ويفدوهم بأنسهم وأموالهم، كما تقدم ذكر أخذ الله ميثاق بني إسرائيل على نصر الرسل ومؤازرتهم.
ولكن قوم عيسى عليه السلام، وتلاميذه خذلوه ولم ينصروه عندما أراد أعداؤه من اليهود أخذه وقتله، بل أسلمه بعضهم ودل عدوه عليه لولا أن الله رفعه وألقى شبهة على بعض تلاميذه.
ويسجل عليهم إنجيل "متى" هذا الموقف المشين فيقول في ذلك: "حينئذ مضى أحد الاثني عشر الذي يقال له يهوذا الأسخريوطي إلى رؤساء الكهنة، وقال لهم: ماذا تريدون أن تعطوني فأسلمه إليكم؟ فجعوا له ثلاثين من القصة، ومن ذلك الوقت يطلب الفرصة ليسلمه. وفيما هو يتكلم -أي: المسيح- إذ جاء يهوذا أحد الاثني عشر ومعه جمع كثير بسيوف وعصى من قبل رؤساء الكهنة وشيوخ الشعب، والذي أسلمه أعطاهم علامة قائلًا الذي أقبله هو هو فأمسكوه وللوقت دنا إلى يسوع، وقال له: السلام يا معلم وقبله؛ فقال له يسوع: يا صاحب لأي شيء جئت، حينئذ جاءوا وألقوا أيديهم على يسوع وأمسكوه. حينئذ تركه التلاميذ كلهم وهربوا"١.
فانظر كيف تآمر عليه تلميذ وصاحب من أصحابه، وباعه لأعدائه بثمن بخس دراهم معدودة، ثم كيف هرب باقي تلاميذه وتركوه، نعم حاول بعضهم الدفاع عنه لكنهم في النهاية أسلموه لعدوه؛ على أنا لا نسلم لهم أن دعوه تمكن منه وما صلبوه وما قتلوه يقينًا ولكن شبه لهم.
لكن الشاهد من هذا النص من الإنجيل أن النصارى يثبتون أن تلاميذ المسيح وأصحابه أسلموا لليهود وخلوا بينهم وبينه وقبض بعضهم ثمنًا لذلك. وهذا غاية الخذلان.