للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

لا تسمع شيئًا لا نعرفه إلا راجعت فيه حتى تعرفه، وأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: من حوسب عذب، قالت عائشة فقلت: أوليس يقول الله تعالى: {فَسَوْفَ يُحَاسَبُ حِسَابًا يَسِيرًا} ١ قالت: فقال: إنما ذلك الغرض؛ ولكن من نوقش الحساب يهلك"٢.

ومع ذلك لم يرد قط من طريق صحيح، ولا سقيم، عن أحد من الصحابة رضي الله عنهم على اختلاف طبقاتهم، وكثرة عددهم أنه سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن معنى شيء مما وصف الرب سبحانه به نفسه الكريمة، في القرآن الكريم، وعلى لسان نبيه صلى الله عليه وسلم؛ بل كلهم فهموا معنى ذلك وسكنوا عن الكلام في الصفات٣.

وربما اختلفوا رضي الله عنهم في شيء من الأحكام وأمور الحلال والحرام؛ لكنهم لم يختلفوا في أسماء الله وصفاته وإثبات ما ورد منها.

يقول الإمام ابن القيم رحمه الله عليه موضحًا شأنهم في ذلك: "وقد تنازع الصحابة في كثير من مسائل الأحكام، وهم سادات المؤمنين، وأكمل الأمة إيمانًا؛ ولكن بحمد الله لم يتنازعوا في مسألة واحدة من مسائل الأسماء والصفات والأفعال، بل كلهم على إثبات ما نطق به الكتاب والسنة، كلمة واحدة من أولهم إلى آخرهم، لم يسوموها تأويلًا، ولم يحرفوها عن مواضعها تبديلًا، ولم يبدوا لشيء منها إبطالًا، ولا ضربوا لها أمثالًا، ولم يدفعوا في صدروها وأعجازها، ولم يقل أحد منهم يجب صرفها عن حقائقها وحملها على مجازها، بل تلقوها بالقبول والتسليم وقابلوها بالإيمان والتعظيم وجعلوا الأمر فيها كلها أمرًا.


١ سورة الانشقاق آية ٨.
٢ خ: كتاب العلم، باب من سمع شيئًا فراجع فيه ١/ ١٩٦، ح ١٠٣.
٣ انظر: المقريزي، الخطط ٢/ ٣٥٦.

<<  <   >  >>