ولم يجعلوا العباد خالقين لأفعالهم من دون الله عز ودل، كما قالت القدرية.
فهدى الله أهل السنة لما اختلفوا فيه من الحق بإذنه، وعملوا بجميع النصوص الواردة في الباب، ولم يضربوا بعضها ببعض؛ فإن الجبرية عملوا بالنصوص الدالة على أن الله خالق كل شيء، وأن كل شيء بقدر الله وقضائه ومشيئته، وأغفلوا ما دل منها على أن للعبد فعلًا وقدرة وإرادة.
والقدرية أخذوا بالنصوص الدالة على أن العبد هو الفاعل لفعله على الحقيقة، وأن له قدرة وغرادة، ومشيئته، واختيارًا، وأهملوا ما دل منها على خلق الله لأفعال عبيده وعموم قدرته عليها، ومشيئته لها.
والحق هو إعمال جميع النصوص كل فيما دل عليه، وهو ما هدى الله له أهل السنة؛ فليس في كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم تضارب أو تناقض، والجمع بين ما في ظاهره شيء من ذلك ممكن عند أهل الحق والعلم.
فكل دليل صحيح يقيمه الجبري؛ فإنما يدل على أن الله خالق كل شيء، وأنه على كل شيء قدير، وأن أفعال العباد من جملة مخلوقاته، وأنه شياء كان وما لم يشأ لم يكن.
ولا يدل على أن العبد ليس بفاعل في الحقيقة، ولا مريد، ولا مختار، وأن حركاته الاختيارية بمنزلة حركة المرتعش، وهبوب الرياح وحركات الأشجار.
وكل دليل صحيح يقيمه القدري؛ فإنما يدل على أن العبد فاعل لفعله حقيقة، وأنه مريد له مختار له حقيقة، وأن إضافته ونسبته إليه إضافة حق، ولا يدل على أنه غير مقدور لله تعالى وأنه واقع بغير مشيئته وقدرته.
فإذا ضممت ما مع كل طائفة منهما من الحق إلى حق الأخرى؛ فإنما يدل