للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الإنسان مجبور على أفعاله لا قدرة له ولا إرادة، كما تقدم؛ فكل ما وقع في الكون يكون محبوبًا مرضيًا له١، سواء في ذلك الإيمان والكفر، والطاعات والمعاصي؛ إذ كل ذلك واقع بإراداته ومشيئته، فسووا بين الإرادة والمحبة والرضى٢.

لذلك احتجوا بالقدر على المعاصي، وقال قائلهم: {لَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا أَشْرَكْنَا وَلا آبَاؤُنَا} ٣.

وإذا كان هذا قول الجبرية الخالصة؛ فماذا يقول الجبرية المتوسطة، وهم الأشاعرة؟

يرى الأشاعرة "أن كل حادث مراد لله تعالى حدوثه، ولا يختص تعلق مشيئة الباري بصنف من الحوادث دون صنف؛ بل هو تعالى مريد لوقوع جميع الحوادث، خيرها وشرها نفعها وضرها"٤؛ فكل الحوادث لا تخرج عن إرادته عز وجل، وهذا كلام لا غبار عليه؛ لكن هل يحب الكفر والمعاصي إذا أرادها؟ ماذا يقول الأشاعرة؟ ومن مذهبهم أن المحبة والرضى بمعنى: الإرادة، بذلك يؤولون محبة الله ورضاه؛ فهل يقولون: إن الله أحب ذلك ورضيه؟ لقد اضطربوا في ذلك اضطرابًا بينًا واختلف أئمتهم في ذلك. يحدثنا إمام الحرمين الجويني عن ذلك؛ فيقول: "ومما اختلف أهل الحق في إطلاقه، ومنع إطلاقه، المحبة والرضا؛ فإذا قال القائل: هل يحب الله تعالى كفر الكفار ويرضاه؟ فمن أئمتنا من لا يطلق ذلك ويأباه، ثم هؤلاء تحزبوا حزبين: -ثم ذكر قولهما- ثم قال: ومن حقق من أئمتنا لم يكع٥ عن تهويل المعتزلة، وقال: المحبة بمعنى:


١ انظر: ابن أبي العز، شرح الطحاوية ٢٧٩.
٢ نفس المصدر ٢٧٩.
٣ سورة الأنعام آية ١٤٨.
٤ الجويني الإرشاد ٢٣٧.
٥ يكع: أي: يجبن. انظر: ابن منظور، لسان العرب ٨/ ٣١٧.

<<  <   >  >>