أنفقت شطرا من عنفوان العمر على حفظ القرآن حتى أتقنت تلاوته وأشربت في قلبي حلاوته.
فجذبني إلى تعلم القراآت وتفهم الوقوف الماآت والتلقن لحسن الأداء بمعرفة الحروف في الإخفاء والإبداء وتعرف المتشابهات وتعدد الكلم والآيات ثم ترقبت إلى علم العربية فتخفطت الكتب المتداولة كالألفاظ والفصيح وكتب الصفات وعدة من المصنفات وهلم جرا إلى مَا فوقها من الكتب المبسوطة كأدب الكاتب والإصلاح وما يجانسهما من المجلدات الصحاح.
فحصلت إذ ذاك على مفردات الألفاظ ثم آثرت مركباتها بالاحتفاظ فعنيت مَا عن لي من الرسائل والمقامات والأمثال والحكايات والخطب المنشورة والحكم المأثورة ثم أقبلت بهمتي إلى تحفظ الأشعار من دواوين المتقدمين والمخضرمين والمحدثين والعصريين حتى انتهيت منها إلى زهاء مائتي ألف بيت وكنت في خلال ذلك أشد من علم النحو طرفا وأعلق من غوامضه طرفا فحطيت منه بتلويحات لا تقنع ونتيفات لا تشبع.
ثم أبت نفسي إلا التغلغل في غوائصه والعثور على خصائصه واستقاء العلل من علله واستيفاء النظر إلى تفاصيله وجمله فوافقت المقادير هذا التدبير وأدهشت لي كل وعرار تويت منه من كل نهر ثم لما هجمت بساوة على بعض المغاربة يعرف بالشيخ أبي الفتح بْن سلامة اطلعني على الطريقة الأخيرة للإمام عَبْد القاهر الجرجاني رحمه الله تعالى