للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

والعجب إذا كان في كتابكم الذي تحكمون فيه: يجب العدل بين الخصمين في لَحْظِهِ ولَفْظه ومجلسه وكلامه والدخول عليه، فأين هذا من أكل عشرة حمران على أحد الخصمين، وإن لم يعطه أخذ بدلها من صاحبه وحكم له؟ سبحان الله أي شريعة حكمت بحِلّ هذا؟ أم أي عقل أجازه؟ ما أجهل من مجادل في مثل هذا، وأقلَّ حياءه، وأقوى وجهه!

وأما أدلته التي استدل بها فلا تنس قوله تعالى: {فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ} ١ الآية. ولما جادل النصارى رسول الله صلى الله عليه وسلم في ألوهية عيسى، واحتجوا عليه بشيء من القرآن، وكذلك الخوارج يستدلون على باطلهم.

متشابه القرآن، وكذلك الذين ضربوا الإمام أحمد يستدلون عليه بشيء من متشابه القرآن، وما أنزل الله: {فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ} إلاّ لما يعلم من حاجة عباده إليها.

وأما استدلال هذا الجاهل الظالم بقوله: "أحقُّ ما أخذتم عليه أجراً كتابُ الله"


= على متن الإقناع ٦/٣١٦، ويسميها أهل العلم: المُصانعة، وهي في اللغة: أن تصنع له شيئاً ليصنع لك شيئاً آخر. (لسان العرب ٤/٢٥١٠ مادة: [صنع] ) .
وفي الاصطلاح: أن يرشي الحاكم ليدفع ظلمه، ويجزيه على واجبه. (انظر المغني ١٤/٦٠) ، وقال بجوازها للضرورة عبد الله بن عمر رضي الله عنهما. (انظر موسوعة فقه عبد الله بن عمر عصره وحياته ص٦٧٣ تأليف الدكتور محمد روّاس- ن دار النفائس- بيروت- ط/١- ١٤٠٦هـ- ١٩٨٦م) ، ففي الأثر: أتى ابن عمر رضي الله عنهما شاعر فأعطاه درهمين فقالوا له فقال: إنَّما أفتدي به عرضي. (انظر الطبقات الكبرى ٤/١٥٥) وابن مسعود رضي الله عنه، لما يُروى عنه أنَّه أُخِذَ، فأعطى دينارين حتى يُخلّى سبيله، وممن أجازُها أيضاً الحسن والشعبي وجابر بن زيد وعطاء فقالوا: لا بأس أن يصانع الرجل عن نفسه، وماله، إذا خاف الظلم (انظر شرح السنة ١٠/٨٨، والمغني ١٤/٦٠، وأحكام القرآن ٢/٤٣٣ للجصاص –ن دار الكتاب العربي – بيروت – لبنان – ط/ مصورة عن الطبعة الأولى بمطبعة الأوقاف الإسلامية في دار الخلافة سنة ١٣٣٥هـ، وقال الحسن: ما أعطيت من مالك مصانعة على مالك ودمك فأنت فيه مأجور، وقاله الثوري عن إبراهيم. (المصنف ٨/١٤٩ ع: ١٤٦٧١ لعبد الرزاق) والله أعلم.
١ جزء من الآية ٧ من سورة آل عمران.

<<  <   >  >>