الأول: أنَّ المؤمنين إذا فسروا شيئاً من القرآن بكلام رسول الله صلى الله عليه وسلم وكلام المفسرين ليس لهم فيه إلاَّ النقل- اشتد نكيرهم عليهم ويقولون: القرآن لا يحل لكم تفسيره، ولا يعرفه إلاَّ المجتهدون، وتارة تفتري الكذب وتقول: إنَّ ابن عباس إذا أراد أن يفسره خرج إلى البرية خوفاً من العذاب، وأمثال هذه الأباطيل والخرافات ومرادهم بذلك سد الباب، فلا يفتح للناس طريق إلى هذا الخير، فيكون نقلنا لكلام المفسّرين مُنْكراً، وتفسيرك كتاب الله على هواك وتحريفُك الكَلِمَ عن مواضعه حسناً! هذا من أعجب العجاب!
الوجه الثاني: أنَّ هذا لو كان على ما أوَّلَته فهو في الأخذ على كتاب الله، وأنتم متبرئون من معرفة كتاب الله والحكم به، وشاهدون على أنفسكم بذلك.
الوجه الثالث: أنَّ هذا لو كان فيما ذهبت إليه لكان مخصوصاً بتحريم الرشوة التي أجمع الصحابة على تحريمها.
الوجه الرابع: أنَّ حمل الحديث على هذا من الفِرية الظاهرة والكذب البحت على رسول الله صلى الله عليه وسلم، فإنَّ معنى ذلك في الإنسان الذي يداوي المريض بالقرآن فيأخذ على الطب والدواء، لا على الحكم وإيصال الحق إلى مستحقِّه. ويدّل عليه اللفظ الآخر.
١ عن خارجة بن الصلت عن عمه مر بقوم فأتوه فقالوا: إنَّك جئت من عند هذا الرجل بخير، فأرقِ لنا هذا الرجل، فأتوه برجل معتوه في القيود، فرقاه بأم القرآن ثلاثة أيام غُدْوَةً وعشية وكلما ختمها جمع بزاقه ثم تفل، فكأنّما أُنشط من عقال، فأعطوه شيئاً، فأتى النبي صلى الله عليه وسلم فذكر له فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "كل فَلَعَمْري لَمَنْ أكل برقيةٍ باطلٍ، لقد أكلت برقيةٍ حقٍ". أخرجه أبو داود – ك: الإجازة –ب: في كسب المعلم ح: ٣٤٢٠- ٣/٧٠٦ كما أخرج نحوه أحمد في=