الوجه الخامس: وهو أن يقال لهذا الجاهل المركب: من استدل قبلك بهذا الحديث على أنَّ الحاكم إذا أراد أن يوصل الحق إلى مستحقه يجوز له أن يشترط لنفسه شرطاً، فإن حصل له وإلاَّ لم يفعل؟ فإن كان وجده في كتاب الله فليبين مأخذه. وما ظنُّه بأهل العلم الأولين والآخرين الذين أجمعوا على ذلك؟ لا يجوز أن يظن أنَّ إجماعهم باطل وأنَّهم لم يفهموا كلام نبيهم حتى فهمه هو.
وأما استدلاله بأنَّ الناس فرضوا لأبي بكر رضي الله عنه لمّا ولي عليهم كلّ يوم درهمين، فهذا من أعجب جهله، ومثل هذا مثل من يدّعي حِلّ الزّنا الذي لا شُبْهة فيه، ويستدل على ذلك بأنَّ الصحابة يطأون زوجاتهم! وهذا الاستدلال مثل هذا سواءٌ بسواء! وذلك أنَّ استدلاله بقصة أبي بكر رضي الله عنه تدل على شدة جهله بحال السلف الصالح، فإنَّ النبي صلى الله عليه وسلم كان يعطي العُمّال من بيت المال، وكان الخلفاء الراشدون يأكلون من بيت المال ويفرضون لعُمّالهم: ولا أعلم عاملاً في زمن الخلفاء الراشدين لا يأكل من ذلك، بل الزكاة التي هي للفقراء جعل الله فيها نصيباً للعُمّال الأغنياء، ولكن أبا بكر رضي الله عنه لما ولي واشتغل بالخلافة عن الحرفة، وضع رأس ماله في بيت المال، واحترف للمسلمين فيه، فأكل بسبب وضع ماله في بيت المال وبسبب الحرفة، فأين هذا من أكل الرشوة التي حرمها الله ورسوله؟ وأين هذا من الحاكم الذي إذا وقعت الخصومة فأكثرهم
= المسند وبهامشه كنزل العمال في سنن الأقوال والأفعال – حديث خارجة بن الصلت عن عمه رضي الله عنه من مسند الأنصار ٥/٢١١، وصححه الألباني في صحيح سنن أبي داود ٢/٦٥٦ ح: ٢٩١٨.