للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

فما كان من الرجل وهو يسمع مناشدة رسول الله صلى الله عليه وسلم له بد من إجابته، فقام يتخطى الناس مضطربا حتى قعد بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله أنا صاحبها، كانت أم ولدي، وكانت بي لطيفة رفيقة، ولي منها ابنان مثل اللؤلؤتين، ولكنها كانت تكثر الوقيعة فيك وتشتمك، فأنهاها فلا تنتهي، وأزجرها فلا تنزجر١ ثم شرح له بالتفصيل كيف قتلها، عند ذلك قال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ألا اشهدوا أن دمها هدر"٢.

يتضح لنا من سياق هذه القصة مدى الحب الطاغي المسيطر على قلوب أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم له، فهذا رجل ضرير لديه مثل هذه المرأة الرفيقة به، اللطيفة معه على ما به من الضرارة، علاوة على أنها أم لولديه الصغيرين، ومع ذلك كله قتلها غضبا لله عز وجل ولرسوله صلى الله عليه وسلم لم تمنعه حاجته الشديدة لها، ولم يغره لطفها ورفقها به، ولم يشفع لها عنده أمومتها لولديه الصغيرين، لأنه ممن كتب الله في قلوبهم الإيمان وأيدهم بروح منه، وهكذا المؤمن الكامل الإيمان يقدم حبّ الله عز وجل ورسوله صلى الله عليه وسلم وموالاتهما على كل شيء آخر حتى لو كان نفسه، قال الله تعالى {لا تَجِدُ قَوْماً يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آبَاءَهُمْ أَوْ أَبْنَاءَهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ أُولَئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الْأِيمَانَ وَأَيَّدَهُمْ بِرُوحٍ مِنْهُ وَيُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ أُولَئِكَ حِزْبُ اللَّهِ أَلا إِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} ٣.

ومما نستنبطه من هذا الخبر والذي قبله: أن سابَّ النبي صلى الله عليه وسلم مهدر الدم، فقد ذكر كل من المنذري والخطابي، أنه لا خلاف في أن سابه من المسلمين


١ من رواية النسائي عن ابن عباس رضي الله عنهما انظر النسائي، سنن (٤/١٠٧) والألباني، صحيح سنن النسائي (٤/٨٥٣) .
٢ من رواية أبي داود، والنسائي عن ابن عباس رضي الله عنهما انظر أبي داود سنن (٤/٥٢٩) ، والنسائي، سنن (٤/١٠٨) .
٣ المجادلة (٢٢) .

<<  <   >  >>