للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

كما أنه لفرط عداوته لرسول الله صلى الله عليه وسلم، وما جاء به من الحق المصدق لما معه من الكتاب، نسي المبادىء والتعاليم التوراتية التي يدَّعي أنه يؤمن بها ويدافع عنها، نسي ذلك أو أنه تناساه عمدا، فشهد لحماة الوثنية قريش بأن وثنيتهم وشركهم خير من التوحيد الذي جاء به رسول الله صلى الله عليه وسلم١.

وقد وضح القرآن الكريم ذلك التناقض بقوله تعالى {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيباً مِنَ الْكِتَابِ يُؤْمِنُونَ بِالْجِبْتِ وَالطَّاغُوتِ وَيَقُولُونَ لِلَّذِينَ كَفَرُوا هَؤُلاءِ أَهْدَى مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا سَبِيلاً} ٢.

ولم يكتف كعب بكل ذلك، بل إنه حالف قريشا على قتال رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم قدم المدينة معلنًا لمعادة النبي صلى الله عليه وسلم وهجاء المسلمين٣ فأصبح بذلك عدوًّا مستأمنًا بعهد لم يرع ذمامه، ومواطنَ دولة خان دستورها، فكان لزاما أن يُعاقب بجريمته، ويلقى جزاء خيانته، وحتى لا يثير قومه فيتحزبوا معه إذا طالبهم بتسليمه أو على الأقل يدبروا أمر هروبه بعيدا فلا تطوله يد العدالة خاصة وهو من كبار زعمائهم، لذلك رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن خير وسيلة يتم بها التخلص منه هي بقتله سرًّا دون علم قومه، فندب الصحابة لذلك قائلا: "من لكعب بن الأشرف؟ فإنه قد آذى الله ورسوله" ٤ ويتطوع لهذه المهمة الصعبة


١ وقع ذلك في عدة روايات، البعض منها مرسل والآخر متصل ضعيف، ولكنها تتضافر فيما بينها لإكسابها القوة لاختلاف طرقها. انظر ابن سعد، طبقات (٣/٧٢) ، والطبري، تفسير (٤/٢٠١/، ٥/١٣٤-١٣٥) ، والبيهقي، دلائل (٣/١٩٠-١٩٣-١٩٤) ، والواحدي، أسباب (١٨٧-١٨٨) ، وابن سيد الناس، عيون (١/٣٥٧) ، وابن كثير، تفسير (٧/٥١١) ، والزرقاني، شرح (٢/٩-١٠) ، وباقشيش، مرويات (١/٢٩٦) .
٢ النساء: (٥١) .
٣ المصادر السابقة، وذكر ابن حجر في الإصابة: أن السراج أخرج في تاريخه قصة كعب وفيها أنه كان يحرض القبائل الغطفانية ضد رسول الله صلى الله عليه وسلم. إصابة، ترجمة أبي نائلة (٤/١٩٥) .
٤ ابن حجر، فتح (٦/١٥٨-١٥٩-١٦٠، ٧/٢٢٦) ، ومسلم (١٢/١٦١) ، ووقع في رواية أبي داود عن الزهري أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر سعد بن معاذ رضي الله عنه أن يبعث رهطا فيقتلوه فبعث إليه سعد بن معاذ محمد بن مسلمة وأصحابه.
قلت: حلَّت رواية عروة هذا التعارض، ففيها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لمحمد بن مسلمة: إن كنت فاعلا فلا تعجل حتى تشاور سعد بن معاذ، فقال: فشاوره. ابن حجر، فتح (٧/٣٣٨) .
قال الزرقاني: وجمع شيخنا بين هذا الروايات بأنه سأل خصوص سعد مرة ثم قال: من لنا بابن الأشرف مرة ثانية، شرح (٢/٩-١٠) .

<<  <   >  >>