للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

بفداحته على ذلك، بل سافر إلى عدوهم وعاهدهم على قتال المسلمين، وكان كل ذلك كافيا لإظهار عداوته، ولكنه عندما رجع إلى المدينة صار يؤذي المسلمين –وهم أفراد مساوون له في الحقوق تحت ظل دولة واحدة غير مكترث ولا عابىء- وذلك بهجائهم والتشبيب بنسائهم، وهو أمر عظيم كانت الدماء تسيل فيه أودية في الجاهلية فكيف وقد أعز الله المسلمين بالإسلام.

هذا وقد روي عن ابن إسحاق بسند فيه مجهولان، والواقدي عن شيوخه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما أصبح من الليلة التي قُتل فيها ابن الأشرف قال: "من ظفرتم به من رجال يهود فاقتلوه"، فوثب محيصة بن مسعود على ابن سنينة –رجل من تجار يهود كان يلابسهم ويبايعهم-فقتله، فكان ذلك سببا في إسلام أخيه حويصة بعد نقاش حاد دار بينهما١.

وهذه الرواية إضافة إلى ضعف سندها، خالفتها رواية أخرى ذكرها ابن هشام في سبب إسلام حويصة متأخرة كثيرا عن قصة كعب بن الأشرف٢، كما يزيد في ضعفها مخالفتها لأصل من أصول الشريعة، وهو تحريم الذمي المستأمن إلا بحقه من نقض العهد والميثاق، والانضمام إلى صفوف المشركين وغير ذلك كما فعل ابن الأشرف. وإن صحت الرواية فإنه ربما كان ابن سنينة على مثل ما كان عليه كعب، فعلم بذلك حليفه محيصة لقربه منه فقتله إذ لا يمكن أن يطلق رسول الله صلى الله عليه وسلم أصحابه على اليهود هكذا يقتلونهم بلا ذنب ولا جرم فعلوه إلا إذا كانوا على مثل رأي ابن الأشرف وفعلوا مثل فعلته.. والله تعالى أعلم بالصواب.

وعلى كل حال فإن اليهود خافوا خوفا شديدا بعد مقتل كعب بن


١ انظر ابن إسحاق، سيرة (٢٠٠) ، وابن هشام، سيرة (٣/٥٨) ، والواقدي، مغازي (١/١٩١-١٩٢) .
٢ ابن هشام، سيرة (٢/٥٩) .

<<  <   >  >>