للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

لم يتم القضاء على قوة المسلمين المسيطرة في المدينة وما حولها، وأن ذلك لن يكون إلا بعمل ضخم منسق ضد المسلمين، فقوة اليهود وحدها لا تكفي لذلك، ومن خيبر بدأوا اتصالات موسعة وسفارات متعددة كان الهدف منها تحزيب أكبر قوة ممكنة من العرب تغزو المسلمين في عقر دارهم وتستأصلهم، وقد تم تقسيم خطة العمل بين هؤلاء الزعماء لهذا الغرض، فكان سلام بن أبي الحقيق –كما يذكر عروة- له اليد الطولى في تحزيب قبائل غطفان النجدية الكبيرة وحلفائها من "مشركي العرب يدعوهم إلى قتال رسول الله صلى الله عليه وسلم ويجعل لهم الجعل١ العظيم"٢.

ولما انقضى أمر الخندق وبني قريظة بعد أن انفض الأحزاب عن المدينة بغيظهم لم ينالوا خيرا، وقُتل حُيي بن أخطب النضري شريكُ أبي رافع القوي في تحزيب الأحزاب –مع بني قريظة- فنال بذلك القصاص العادل الذي أفلت منه سلام بن أبي الحقيق حيث كان بعيدا في قومه في حصون خيبر فأصبح بالنسبة للمسلمين مجرم حرب خطيرا هاربًا لابد من القضاء عليه حتى لا يقوم بتحركات مماثلة في المستقبل تهدد أمنهم وسلامتهم.

وكانت الأنصار كما أشار أهل المغازي٣ يتنافسون فيما بينهم تفانيًا في خدمة رسول الله صلى الله عليه وسلم {وَفِي ذَلِكَ فَلْيَتَنَافَسِ الْمُتَنَافِسُونَ} ٤. فلما أصابت الأوس كعبَ بن الأشرف بمبادرة بطولية من جانبهم، فحققوا بذلك سبقا إسلاميًّا على منافسيهم من الخزرج الذين بَدَوْا متحفزين للقيام بدور مماثل، فما أن ندب رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى ابن أبي الحقيق حتى سارعوا إلى التطوع للانخراط


١ الجعل: ما تجعل للغازي إذا غزا عنك بجعل. (لسان العرب، والقاموس، مادة: جعل) .
٢ من رواية ابن عائذ عن عروة. ابن حجر فتح (٧/٣٤٣) ، ومغازي ابن عائذ مفقودة كما ذكرنا، ولكن البيهقي رواه من طريقه إلى عروة. انظر الدلائل (٤/٣٨) كما روى ذلك ابن سعد عن جمع من شيوخه. الطبقات (٢/٩١) .
٣ انظر الزهري، المغازي النبوية (١١٣) ، وعبد الرزاق، المصنف (٥/٤٠٧-٤٠٨) ، وابن هشام، سيرة (٣/٢٧٤) ، والواقدي، مغازي (١/٣٩١) ، وابن سعد، طبقات (٢/٩١) ، والبيهقي، دلائل (٤/٣٣) .
٤ المطففين (٢٦) .

<<  <   >  >>