وقد يتصور البعض أن هذا العقاب كان جائرا وشديدا، لكن بالنظر إلى ما قام به هؤلاء من جرائم، وقياسا لما فعلوه من أعمال لا يقرها العقل؛ فضلا عن الدين الذي تمرَّدوا عليه وارتدوا عنه، فنقول: إن العقاب الذي نالهم كان عادلا وكان الجزاء من جنس العمل فهم قد ارتدوا عن الإسلام، وقتلوا وسرقوا ومثَّلوا وحاربوا الله ورسوله واستهانوا بكل المبادىء والقيم الإنسانية.
وفي القصة من الفوائد: مشروعية الطب والتداوي بألبان الإبل وأبوالها، وقد اختلف في طهارة أبوال الإبل وغيرها من مأكول اللحم. فاحتج مالك وأحمد وطائفة من السلف ووافقهم من الشافعية ابن خزيمة وابن المنذر وابن حبان والأصطخري والروياني بهذا الحديث على طهارة بول الإبل، ويقاس عليها مأكول اللحم من غيرها، وذهب الشافعي والجمهور إلى القول بنجاسة الأبوال والأرواث كلها من مأكول اللحم وغيره.
واحتج ابن المنذر بقوله: توزن الأشياء على طهارة حتى تثبت النجاسة، قال: ومن زعم أن هذا خاص بأولئك الأقوام لم يصب إذ الخصائص لا تثبت إلا بدليل. قال: وفي ترك أهل العلم بيع الناس أبعار الغنم في أسواقهم واستعمال أبوال الإبل في أدويتهم قديما وحديثا من غير نكير دليل ظاهر. قال الحافظ: وهو استدلال ضعيف، لأن المختلف فيه لا يجب إنكاره فلا يدل ترك إنكاره على جوازه فضلا عن طهارته. وقد دلَّ على نجاسة الأبوال حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:"دعوه وأهريقوا على بوله سجلا من ماء أو ذنوبا من ماء فإنما بعثتم ميسرين ولم تبعثوا معسِّرين". وكان القاضي أبو بكر بن العربي الذي تعلق بهذا الحديث ممن قال بطهارة أبوال الإبل، وعورض بأنه أذن لهم في شربها للتداوي.وتعقب بأن التداوي ليس حال ضرورة بدليل أنه لا يجب،فكيف يباح الحرام بما لا يجب؟ وأجيب بمعنى أنه