للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

على طلبنا"١٢.

لقد أثبتت هذه السرية القوة، والجلد، ورباطة الجأش، والشجاعة النادرة، والتحكم في الأعصاب، والأحاسيس، التي كان يتحلى بها جند الحق والإيمان، وطلائع الجهاد الإسلامي، إن الروعة لم تكن تتجلى في قوة وجلد ذلك الجندي الشجاع المؤمن جندب بن مكيث رضي الله عنه فحسب، بل في رباطة الجأش العظيمة التي تميَّز بها وهو يواجه سهمين قويين من رام قنَّاص ماهر، استقرا في جسمه وخالطاه، ومع ذلك ثبت كالطود٣ ولم يتزعزع، وكأنه قطعة من التل الذي كان منبطحا عليه، حتى إن الأعرابي تراجع عن شكه واثقًا أن ما رماه لم يكن كائنًا حيًّا، فلو كان كذلك لتحرك من مكانه على الأقل كما ذكر لزوجته. ولم يعلم ذلك الأعرابي أن الإيمان إذا تمكن من قلب الإنسان، فإنه يسمو به في روحانية عجيبة، وشفافية نادرة تسيطران عليه فتملكان عليه حسَّه وأحاسيسه.

إن قوة الإيمان تحرك في الجسم البشري قواه وطاقاته الكامنة، وتنفق فيه قوة عجيبة من التحكم والسيطرة والتحمل. وذلك ما كان عليه أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم الأشداء على الكفر والكافرين، وهذه القصة إحدى الشواهد القوية على ذلك.


١ من رواية ابن إسحاق عند ابن هشام (٤/٦١١) .
٢ الحديث مداره على ابن إسحاق والذي رواه عنه كل من أحمد في المسند. انظر البنا، الفتح (٢١/١٢٨-١٢٩) ، والطبراني، المعجم (٢/١٧٨-١٧٩) ، وابن خياط، تاريخ (٧٨) ، وابن هشام، سيرة (٤/٦٠٩-٦١٠-٦١١) ، وابن سعد، طبقات (٢/١٢٤-١٢٥) ، والبيهقي، دلائل (٤/٢٩٨-٢٩٩) .
وابن إسحاق صدوق وروايته تقبل إذا صرَّح بالسماع والتحديث فيها، وقد صرح هنا بذلك، قال الهيثمي عن رواية أحمد والطبراني: ورجاله ثقات، فقد صرح ابن إسحاق بالسماع (٦/٢٠٣) .
ومرَّ بنا تحسين ابن عبد البر لرواية ابن إسحاق عند أحمد. وقال عنه البنا: سنده جيد. الفتح الرباني (٢١/١٢٩) .
وقال محقق زاد المعاد، ورجاله ثقات، خلا مسلم بن عبد الله الجهني، فإنه لم يوثقه غير ابن حبان. زاد المعاد (٣/٣٦٣ حاشية١) .
كما رواه الواقدي بسنده عن يعقوب بن عتبة. الواقدي، مغازي (٢/٧٥٠-٧٥١-٧٥٢) .
٣ الطود: الجبل.

<<  <   >  >>