للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

في منكبي، فأنزعه فأضعه، وثبتُّ مكاني، فقال لامرأته: لو كان ربيئة١ لقوم لقد تحرك، لقد خالطه سهماي لا أبا لك، إذا أصبحت فابتغيهما، فخذيهما، لا يمضغهما عليَّ الكلاب. قال ثم دخل"٢.

ويرجع جندب إلى أصحابه الذين وضعوا خطة الهجوم بناء على ملحوظاته التي ضمَّنها تقريره عن مهمته التي أثبت من خلالها أن جند الإسلام الأوائل كانوا على قدر كبير من الشجاعة والقوة ورباطة الجأش، وقوة الاحتمال٣.

واتفقوا على شعار (أمت، أمت) كلمة تعارف بينهم٤.

وفي وجه السَّحر وبعد أن اطمأن بنو الملوح وناموا، شنُّوا عليهم هجوما فجريًّا خاطفًا ومباغتًا أفقدهم توازنهم مما أمكنهم من السيطرة على المدافعين منهم بسهولة، حيث قتلوا بعضهم، ثم استاقوا ماشيتهم وتوجهوا قافلين بسرعة، حيث مروا بابن البرصاء وصاحبه فاحتملاهما معهم، ولكن الليثيين ما لبثوا أن نظموا صفوفهم بسرعة بعد زوال آثار الهجوم المباغت عنهم، وتبعوهم بقوة تعقُّبية كبيرة، حتى إذا ما أدركوهم في منطقة قديد ليس بينهم إلا الوادي فقط يقطعونه ليطبقوا عليهم بما لا قبل لهم به إذ بالعناية الإلهية تتدخل في آخر لحظة لإنقاذهم من الخطر المحدق بهم.

يقول جندب رضي الله عنه: "فأرسل الله الوادي بالسيل من حيث شاء تبارك وتعالى من غير سحابة نراها، ولا مطر، فجاء بشيء ليس لأحد به قوة، ولا يقدر أن يجاوزه، فوقفوا ينظرون إلينا، وإنا لنسوق نعمهم، ما يستطيع منهم رجل أن يجيز إلينا، ونحن نحدوها٥ سراعًا، حتى فُتناهم، فلم يقدروا


١ الربيئة: هو العين والطليعة الذي ينظر للقوم لئلا يدهمهم عدوّ، ولا يكون إلا على جبل أو شرف ينظر منه. ابن الأثير: نهاية –باب الراء مع الباء.
٢ من رواية ابن إسحاق عند ابن هشام (٤/٦١٠) .
٣ هناك قصة مماثلة جرت لصحابي آخر من الأنصار في غزوة من غزوات النبي صلى الله عليه وسلم.
٤ كلمة التعارف، هو الشعار المتفق عليه في أرض المعركة بين المقاتلين، حتى لا يضرب بعضهم بعضًا عن طريق الخطأ خاصة وأن المسلمين والمشركين كانوا يتشابهون في المظهر الخارجي، وهو أسلوب متبع الآن في المعارك الحديثة. خطَّاب، الرسول القائد: (١٢٣) بتصرف.
٥ نحدوها: نسوقها، حدا الإبل: زجرها وساقها. (القاموس: حدا) .

<<  <   >  >>