بل وكان عليه الصلاة والسلام يشجعهم على الصناعة الحربية المتمثلة في ذلك الوقت بصناعة الأسهم، وأن الأجر الذي غايته الجنة ينسحب على صاحبها والمتنبل بها، فيروي لنا عقبة، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قوله:"إن الله يدخل بالسهم الواحد ثلاثة نفر الجنة، صانعه الذي احتسب في صنعته الخير، ومتنبله، والرامي، ارموا واركبوا، وأن ترموا أحب إليَّ من أن تركبوا، وليس من اللهو إلاَّ ثلاثة: تأديب الرجل فرسه، وملاعبته زوجته، ورميه بنبله عن قوسه، ومن عُلِّم الرمي ثم تركه فهي نعمة كفرها" ١.
فما أروعه من عصر تمسك فيه الصحابة بالتعاليم القرآنية الربانية، وعضّوا عليها بالنواجذ، وقاموا بتطبيقاتها حرفيًّا في شتى شئون حياتهم، فعزوا واستعلوا على أمم الأرض، شرقًا وغربًا، رغم قلتهم وبساطتهم. وحين ابتعد المسلمون عن تلك التعاليم وألقوا بها وراء ظهورهم ركبهم الذُلُّ والصغار، وتداعت عليهم الأمم من أقطارها بعد أن أصبحوا غثاءً كغثاء السيل.
إن المهمات والأهداف التي أُوكلت للسرايا والبعوث النبوية، كانت تتفاوت تبعًا لاختلاف الظروف المحيطة والحادثة، فكانت السرايا الأولى في معظمها عبارة عن دوريات استطلاعية واستكشافية وجسِّ نبض، ثمَّ تطوَّرت إلى سرايا اعتراضية توقع الرعب والفزع في القوافل القرشية، وذلك قبل غزوة بدر الفاصلة، وعندما قويت شوكة المسلمين بعدها، أصبحت مهمَّة بعض السرايا والبعوث تنصب في تصفية الأفراد من أعداء الدولة الإسلامية المندسين في صفوفها مثل كعب بن الأشرف، والعصماء بنت مروان، وأبي عفك، فكان في قتل كعب ردعًا لليهود، وقتل العصماء وأبي عفك ردعًا للمشركين والمنافقين في المدينة.
وعندما انقلبت الأمور (الاستراتيجية) لغير صالح المسلمين بعد أحد،
١ أخرجه أحمد، والحاكم وقال: صحيح. ووافقه الذهبي. انظر البنا، الفتح (١٣/١٢٩) ، والحاكم، المستدرك (٢/١٠٤) .