وعندما طمع الأعراب في خيرات المدينة، واستهانوا بالمسلمين لدرجة أنهم غدروا ببعض البعوث التعليمية كما في الرجيع وبئر معونة، غيَّر تبعًا لذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم (استراتيجيته) العسكرية، فانتقل بالسرايا من قريش إلى الأعراب لتأديبهم وردعهم، ولكن بطريقة صارمة وسريعة ومباغته.
وكان أهم ما يميَّز تلك السرايا هو الهجوم التعرضي، وذلك بأن يتم فيها مهاجمة الأعراب قبل تحشُّدهم وجمع أمرهم بالهجوم على المسلمين.
وهكذا ظلت السرايا والبعوث النبوية تؤدي دورها وتقوم بمهامها الخاصة لخدمة أهداف النبي صلى الله عليه وسلم القريبة والبعيدة المدى، فمن دوريات قتالية، إلى سرايا تعقبية، وأخرى تمويهية، حتى إذا ما توطَّد الأمر للمسلمين بعد فتح مكة، اهتم النبي صلى الله عليه وسلم بإزالة كل ما يمتُّ للوثنية بصلة، فبعث السرايا والبعوث من مكة لتحطيم بقية رموز الشرك والوثنية، فانطلقت السرايا لتحطيم العزى، ومناة، واللات وسواع، وذا الخلصة، وغيرها من الأصنام والطواغيت الوثنية.
ثم انطلقت السرايا الدعوية إلى كافة أرجاء الجزيرة العربية، تدعو إلى عبادة الله وحده وتزيل من طريق الدعوة كل العراقيل والقوى التي تقف في وجه الدعوة الإسلامية وهي خاضعة للضبط العسكري النبوي، منفذة لكل الأوامر النبوية العليا، والتي يمكن اعتبارها قمة أهداف وممارسات الحرب الفروسية المشرفة التي لم يشهد لها العالم مثيلاً من قبل ولا من بعد، والتي هي أحد دعائم الدعوة الإسلامية، بل أحد أهمِّ الأسباب التي دعت معظم سكان المناطق التي كانت تمرُّ بها هذه السرايا النبوية، ثمَّ الجيوش الراشدية الفاتحة بعد ذلك إلى الدخول طواعية وبحب غامر ورغبة ملحة في الإسلام.
لقد أدهشت النتائج السريعة الإيجابية لحركة الفتوح الإسلامية جميع المحللين على اختلاف مشاربهم ودياناتهم، ولكن المحلِّل المنصف المتجرد ستزول دهشته حتمًا عندما يقرأ تلك التعاليم والوصايا النبوية لقوَّاد وجنود السرايا