للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

إن النتائج التي تحققت في هذه السرية، اعتُبرت أوليات في تاريخ الصراع الإسلامي الوثني، فاقتال الذي دار فيها اعتبر أول مواجهة عسكرية دموية بين الطرفين نتج عنها أول قتيل في الإسلام، وأول أسيرين، وأول غنيمة ينفلّها الله عز وجل للمسلمين، كأول تعويض يقبضه المهاجرون عن أموالهم التي استولت عليها قريش في مكة، والشاهد أن ما تمخض عن هذه السرية من أحداث مهمة أصبح سابقة في التاريخ الإسلامي، مما جعلها تستأثر باهتمام كبير ومركز من أهل المغازي حتى اعتبرها بعضهم أول سرية في الإسلام١.

وقد كان موقف قريش التالي لأحداث هذه السرية مزيجًا من الغضب والخوف في آن واحد، لذلك فكرت وبدهاء شديد استغلال الثغرة الناتجة عن الخطأ التقديري الذي وقع فيه أصحاب السرية علَّها تستطيع بذلك أن تشفي غيظها من المسلمين بإثارة العرب ضدهم، فأخذت أبواق دعايتها ترعد، وتبرق تصم الآذان بشتم المسلمين، ووصفهم بأنهم أناس لا يراعون الحرمات، ولا يحترمون التقاليد والأعراف المتعارف عليها بين العرب، وأن ما قاموا به يناقض تعاليمهم التي ينادون بها، وغير ذلك فلما أكثرت قريش وتمادت في غيها نزلت الآيات من فوق سبع سماوات تقريعًا وتوبيخًا لقريش المتشدقة بحماية الحرمات ورعاية الأعراف.

قال الله تعالى {يَسْأَلونَكَ عَنِ الشَّهْرِ الْحَرَامِ قِتَالٍ فِيهِ قُلْ قِتَالٌ فِيهِ كَبِيرٌ وَصَدٌّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَكُفْرٌ بِهِ وَالْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَإِخْرَاجُ أَهْلِهِ مِنْهُ أَكْبَرُ عِنْدَ اللَّهِ وَالْفِتْنَةُ أَكْبَرُ مِنَ الْقَتْلِ وَلا يَزَالُونَ يُقَاتِلُونَكُمْ حَتَّى يَرُدُّوكُمْ عَنْ دِينِكُمْ إِنِ اسْتَطَاعُوا} ٢.

"فحدثهم الله في كتابه أن القتال في الشهر الحرام حرام كما كان، وأن


١ تقدم الكلام عن ذلك في أول السرايا.
٢ البقرة (٢١٧) .

<<  <   >  >>