للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

العملية، حتى إن عيون قريش لم ترصدها (ومخابراتها) لم تستطع معرفة الوجهة التي قصدتها، وكان ذلك ما أراده رسول الله صلى الله عليه وسلم وخطط له بابتكاره أسلوب الرسائل المكتومة للمحافظة على الكتمان وحرمان العدو من الحصول على المعلومات التي تفيده عن حركات المسلمين "ولكتمان أهم عامل من عوامل مبدأ (المباغتة) وهي أهم مبدأ من مبادىء الحرب"١.

وبالإضافة إلى ذلك فقد أثبتت هذه السرية بما لا يدع مجالاً للشك بأن جيش النبي صلى الله عليه وسلم قوي يندفع للقيام بأصعب الأعباء والمهمات، ويتحلى بمزايا القتال، وبمقدرته على إنجاز الواجبات بكل كفاءة واقتدار مما يدل على روحه المعنوية العالية.

فكم كان موقف قائد السرية رائعًا، يدل على ضبطه العسكري الجيد بإطاعته الأوامر النبوية العليا دون تردد أو تخاذل، وهو بعيد عن مقر القيادة العليا، فما أن قرأ الكتاب حتى امتثل فورا للأمر ونفذه بحذافيره، معطيًا من نفسه القدوة الحسنة، باثًّا في نفوس جنوده الحماس وهو يقول لهم: "من كان منكم يريد الشهادة، ويرغب فيها فلينطلق، ومن كره ذلك فليرجع، فأما أنا فماضً لأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم"٢.

ولا غرو في ذلك، فهو خريج مدرسة رسول الله صلى الله عليه وسلم العسكرية.

وكم كان موقف جنوده البواسل عظيمًا، عندما امتثلوا جميعًا لأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم ومضوا له لم يتخلف عنه منهم أحد، على الرغم من تأكيدات الرسول صلى الله عليه وسلم للقائد بترك الحرية الكاملة لهم في الاختيار.

ومن هذا المنطلق تتجلى عدالة الإسلام بإعطاء الأفراد الحرية الكاملة في أمر لم تكن فيه ضرورة إلزامية.


١ خطاب، الرسول القائد (ص: ٩٤) .
٢ من رواية ابن إسحاق عن عروة. انظر ابن هشام، سيرة (٢/٦٠٢) .

<<  <   >  >>