للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

أعتقد أن في الرواية إدراجا في المتن وعلة في السند، أما إدراج المتن فقوله: "وقيل إن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان هو الذي وجه السرية للعير التي فيها أبو العاص قافلة من الشام، وكانوا سبعين ومائة راكب أميرهم زيد بن حارثة، وذلك في جمادى الأولى سنة ست من الهجرة ... إلخ"١، فهذا الكلام لم يرد في بقية الروايات عن ابن إسحاق ومنها ما رواه ابن بكير واسطة الحاكم إليه٢، فربما كان هذا الكلام مدرجا من أحد الرواة الحاكم فظنه من كلام عائشة رضي الله عنها والله أعلم.

أما علة السند فهي أن السند الذي جعله الحاكم لكامل القصة ليس كذلك، فالقصة وردت عن ابن إسحاق عند غير الحاكم مجزأة وبأسانيد مختلفة، والسند الموصول الذي ذكره الحاكم يختص بالجزء الذي يحكي قصة فداء أبي العاص من أسره يوم بدر فقط، وليس لكامل القصة، أما بقية الرواية فليست موصولة، فبعضها عن يزيد بن رومان، وبعضها عن عبد الله بن أبي بكر بن حزم موقوفة عليهما٣ خاصة فيما يتعلق بالعير التي خرج فيها أبو العاص تاجرا واعتراض السرية له والتي لم يرد فيها ذكر عن قائد السرية، بل إن في سياقها ما يؤيد ما ذهب إليه الزهري حيث ذكر أن خروجها كان قبيل الفتح أي في زمن الهدنة، وذكر فيها قول النبي صلى الله عليه وسلم لزينب: "ولا يخلصن إليك فإنك لا تحلين له" ٤، فمن المعلوم أن قريشا لم تستأنف رحلاتها التجارية إلى الشام إلا زمن الهدنة، فهل يعقل أن يقدم رسول الله صلى الله عليه وسلم على بعث سرايا لاعتراض القوافل القرشية وهو مرتبط بمعاهدة صلح وتهادن مع قريش، كما أن تحريم المؤمنات على المشركين إنما نزل بعد الحديبية بقوله تعالى {لا هُنَّ حِلٌّ لَهُمْ وَلا هُمْ يَحِلُّونَ لَهُنَّ} ٥، فلو كان اعتراض أبي العاص قبل الحديبية لما قال


١ الحاكم أبو عبد الله، المستدرك (٣/٢٣٦) .
٢ انظر البيهقي، سنن (٩/١٤٣) .
٣ ولكن الحاكم وصلها، انظر المستدرك (٣/١٦٣) .
٤ انظر ابن هشام، سيرة (٢/٦٥٨) ، وانظر الذهبي، تاريخ الإسلام، المغازي (٣٥٩-٣٦٠) .
٥ الممتحنة (١٠) .

<<  <   >  >>