ومما يبين ذلك أن الله تعالى ذكر هذه الآية يمدح بها نفسه سبحانه وتعالى، ومعلوم أن كون الشيء لا يرى ليس صفة مدح، لأن النفي المحض لا يكون مدحاً إن لم يتضمن أمراً ثبوتياً، لأن المعدوم أيضاً لا يرى، والمعدوم لا يمدح، فعلم أن مجرد نفي الرؤية لا مدح فيه، وإن كان المنفي هو الإدراك فهو سبحانه لا يحاط به رؤية، كما لا يحاط به علماً، ولا يلزم من نفي إحاطة العلم والرؤية نفي الرؤية، بل يكون ذلك دليلاً على أنه يرى ولا يحاط به، فإن تخصيص الإحاطة يقتضي أن مطلق الرؤية ليس بمنفي، وهذا الجواب قول أكثر العلماء من السلف وغيرهم، وقد روي معناه عن ابن عباس رضي الله عنهما وغيره، فلا تحتاج الآية إلى تخصيص، ولا خروج عن ظاهر المعنى، فلا نحتاج أن نقول: لا نراه في الدنيا، أو نقول لا تدركه الأبصار، بل المبصرون، أو لا يدركه كلها بل بعضها، ونحو ذلك من الأقوال التي فيها تكلف.
وأما قوله: ولا تعارض هذه الآية بقوله تعالى: {وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ. إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ}[القيامة:٢٣] ، لأن كيفية رؤيته تعالى يوم القيامة مجهولة، كما هو معتقد أهل الحق.
فالجواب أن يقال: هذه الآية لا تعارض الآية المتقدمة، فإن كلام الله لا يتعارض، بل يصدق بعضه