للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[شروط وجوب الحج والعمرة]

يشترط لوجوب الحج والعمرة شروط: الشرط الأول: الإسلام، فلا يجب الحج على الكافر ولا يجوز، بل لا يمكن الكافر من دخول مكة، كما قال تعالى: {إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ فَلا يَقْرَبُوا الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ بَعْدَ عَامِهِمْ هَذَا} [التوبة:٢٨] وأرسل النبي صلى الله عليه وسلم علياً في حجة أبي بكر أن ينادي: لا يحج بعد العام مشرك.

الشرط الثاني: الحرية؛ لأن المملوك مملوكة عليه منافعه؛ لأنه لا يستطيع أن يتصرف لنفسه، فالسيد يملك عليه منافعه، ففي ذهابه إلى الحج تفويت ما للسيد عليه، فلذلك لا يجب عليه.

وقد ورد في حديث: (أيما عبد حج ثم عتق فعليه حجة الإسلام) .

الشرط الرابع: البلوغ.

يخرج بذلك الصغير، فلا يجب عليه الحج لعدم تكليفه، ولكن مع ذلك يصح حجه ولو كان صغيراً، ففي الحديث الصحيح: (أن امرأة رفعت إلى النبي صلى الله عليه وسلم صبياً لها، فقالت: ألهذا حج؟ قال: نعم، ولك أجر) والمعنى أنه يصح حج الصغير ولو كان ابن خمس سنين أو أربع سنين.

أي: يعقل.

ووليه هو الذي يحرم به فينوي عنه إداخله في النسك، وكذلك يلبسه إذا كان ذكراً لباس الإحرام، ويكمل به مناسك الحج، فيطوف به ويسعى به ويقف به في المواقف التي يجب الوقوف بها ويلبي عنه ويرمي عنه وهكذا، وينوي حجه، أي: أحد أقاربه؛ لقوله: (ولك أجر) .

الشرط الرابع: العقل، فلا يجب الحج على المجنون، وذلك لعدم فهمه وإدراكه، فهو لا يفهم ما يقال ولا يقدر على التصرف، ولا يعرف الأحكام، ولا يقدر أن يمتنع عن المحظورات، والقلم عنه مرفوع.

الشرط الخامس: القدرة، فإن قوله تعالى: {مَنْ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً} [آل عمران:٩٧] فسر فيه السبيل بأنه الزاد والراحلة، أي: من يملك زاداً وراحلة صالحين لمثله بعد قضاء حوائج أهله، وبعد قضاء ما يحتاجون إليه في غيبته، وكذلك أن يقدر على الحوائج الأصلية التي يحتاج إليها في السفر.

وقد ورد في الحديث أنه صلى الله عليه وسلم سئل عن قوله تعالى: {مَنْ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً} [آل عمران:٩٧] ما السبيل؟ قال: (الزاد والراحلة) .

وفي هذه الأزمنة معلوم أنه لا يحتاج إلى أن يملك راحلة -أي: سيارة- لكن إذا كان يملك أجرة ركوبه في السيارة فقد صار مستطيعاً إذا توافرت فيه بقية الشروط، من امتلاك النفقة في ذهابه وإيابه، وامتلاك النفقة التي تكفي لأهله حتى يرجع، فإذا كان محترفاً وغاب توقفت حرفته وتوقفت صنعته وعمله، فلابد من أن يؤمن لأسرته ما يكفيهم مدة غيابه.

وكانت الغيبة قديماً -أي: قبل خمسين أو ستين سنة- نحو شهرين ذهاباً وإياباً، فيكون الرجل بناء أو حفاراً يحفر بالأجرة، أو عاملاً في حرث يعمل بالأجرة، وقد تكون له حرفة يدوية كأن يكون خرازاً أو دباغاً أو خياطاً أو غسالاً أو حداداً أو نجاراً، فإذا غاب توقف كسبه، فمن أين يطعم أهله؟ نقول: لا يجب عليه إلا إذا توافر عنده من كسبه ما يكفي أهله في مدة غيبته، وفي هذه الأزمنة قلت أو قصرت المسافة، فبدل أن كانوا يغيبون لشهرين أصبحوا يغيبون لمدة أسبوع أو ثمانية أيام، ففي هذه المدة التي هي ثمانية أيام أو نحوها إذا كان عند أهله ما يكفيهم مدة ذهابه وإيابه، وحصل على النفقة التي تكفيه لذهابه وإيابه، وحصل على أجرة الركوب ذهاباً وإياباً فإنه قادر، فإذا عجز عن ذلك فإنه غير مستطيع، فالمستطيع هو الذي يملك ما يوصله إلى مكة ويرده وما يكفي أهله مدة غيبته.

وأما ما يذكره الفقهاء في هذا الباب عند تفسير قوله: {مَنْ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً} [آل عمران:٩٧] أن السبيل هو من يملك زاداً وراحلة صالحين لمثله، وأن يملك العدة التي يحتاج إليها كخطام البعير ورحله وفرشه، ومتاعه الذي يحتاج إليه، وأوانيه التي يطبخ فيها وقربته التي يحمل الماء فيها، وما أشبه ذلك فهذه قد خفت في هذه الأزمنة.

والحاصل أنه لابد من أن يكون مستطيعاً.

إذاً الإسلام والعقل شرطان للوجوب والصحة، فلو حج الكافر لم يصح منه.

وأما الصغير والعبد فإنه يصح الحج منه ولكن لا يجب عليه، ولا يكلف به، فحجه صحيح ولكن لا يكفيه عن حجة الإسلام.

وأما العاجز فإن الاستطاعة شرط للوجوب، فلو أنه تكلف وحج فهل يجب عليه حجة أخرى؟ نقول: صح حجك وأجزأك.

لو تكلف وقال: أنا أحج راكباً.

أو تبرع له أحد وحج به صح حجه، وكذلك أجزأه عن حجة الإسلام.