للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[وجوب الحج على الفور]

ثم هل الحج على الفور أو على التراخي؟ نختار أنه على الفور، فساعة أن تتم الشروط وساعة أن يتمكن فالزمن الذي تتم فيه الشروط ويتمكن يجب عليه بحيث يعد مفرطاً إذا أخره، وبحيث يعد ملوماً إذا تغيرت حالته بعد ذلك، فمثلاً: لو أنه في عام ثمانية عشر تمت الشروط في حقه واستطاع أن يحج ولكنه أهمل الحج وتركه بغير عذر، ثم في عام تسعة عشر عجز، تلف ماله أو خسر في تجارته وأصبح عاجزاً مالياً، نقول: إنه ملوم حيث تمكن وفرط، إن عليه إثماً بتأخيره وبتفريطه، ونقول: لو مات بعد أن قدر ولم يحج لزم إخراج نفقة الحج من رأس المال كما سيأتي، وذلك لأنه قدر وفرط حتى مات.

وذهبت الشافعية إلى أنه على التراخي، واستدلوا بأن النبي صلى الله عليه وسلم أخر الحج إلى سنة عشر،

و

الجواب

أنه لم يتمكن إلا تلك السنة؛ فإنه في سنة ثمان لما فتحت مكة كان مشتغلاً بالوفود، ولم تكن مكة قد طهرت من عادات المشركين، ولما كان في سنة تسع أرسل أبا بكر ومن معه من الحجاج ليطهروا مكة فصاروا ينادون بأول سورة براءة: {بَرَاءَةٌ مِنْ اللَّهِ وَرَسُولِهِ إِلَى الَّذِينَ عَاهَدتُّمْ مِنْ الْمُشْرِكِينَ * فَسِيحُوا فِي الأَرْضِ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ} [التوبة:١-٢] إلى قوله: {وَأَذَانٌ مِنْ اللَّهِ وَرَسُولِهِ إِلَى النَّاسِ يَوْمَ الْحَجِّ الأَكْبَرِ أَنَّ اللَّهَ بَرِيءٌ مِنْ الْمُشْرِكِينَ وَرَسُولُهُ} [التوبة:٣] فكانوا ينادون: لا يحج بعد العام مشرك، ولا يطوف بالبيت عريان.

وذلك لأنهم كانوا في عاداتهم الجاهلية يطوفون وهم عراة، ولما طهر البيت في سنة تسع حج سنة عشر، وكمل الله تعالى له الدين، وهو دليل على أن الحج على الفور؛ لأنه ما تمكن إلا في سنة عشر.