[الفرق بين المدعى عليه والمدعي في الصلح على الإنكار]
يقول:[يكون في حق المدعى عليه ابراءً، وفي حق المدعي بيعاً] .
قوله:[في حق المدعي بيعاً] فلو ادعى عليك بألف وقلت: لا أذكر شيئاً، ولكن خذ هذا البعير عن دعواك فأخذ البعير وكأنه اشتراه منك بالألف؛ لأنَ أقصى ما يدعي عليك ألف، ولما ذهب بالبعير وجده أعور أو مريضاً فله أن يرده، فيقول: أنا أخذته عن الألف وحسبته سليماً، ثم تبين أنه مريض، فلا أقبله.
فينفسخ الصلح والحال هذه، وكذلك لو ادعى عليك رجل بعشرة آلاف وأنت منكر، ولكن تشتري سمعتك فتقول: أعطيك نصف الأرض التي بيني وبين زيد بعشرة آلاف، فلما قبض الأرض شفع عليه شريكك الذي هو زيد وقال: أنت تدعي أنك اشتريتها بدينك الذي هو عشرة آلاف، وأنا شريكه، فأنا سوف أنتزعها وأعطيك العشرة الآلاف التي أنت تدعيها، ولا تدعي أكثر من عشرة آلاف، فكأنك اشتريت نصف هذه الأرض بدينك الذي هو عشرة آلاف، فخذها وأعطني الأرض حتى تكون الأرض كلها لي؛ لأني لا أرغب في الشريك، وأحب أن تكون هذا الأرض كلها سالمة لي.
فله أن يشفع، وذلك لأن المدعي يدعي أنه اشتراها عن دينه الذي هو عشرة آلاف، وإذا كان يدعي أنه اشتراها ثبتت الشفعة، وأما المدعى عليه فإنها تكون إبراءً لذمته، فلا رد ولا شفعة، فلو ادعى عليك نصف البعير، أو نصف الأرض، ولما ادعاه قلت: سوف أعطيك خمسمائة عن دعواك بهذا البعير.
فأعطيته خمسمائة وذهب، فوجدت البعير بعد ذلك أعور وهو ملكك، فهل لك أن تسترد الخمسمائة ليس لك ذلك؛ لأنك ما اشتريت البعير، أنت تدعي أنه ملكك، وإنما تخلصت من دعواه، وأردت بذلك أن ينقطع النزاع، ففي هذه الحال ليس لك أن تسترد الخمسمائة، بل إنما دفعتها ابراءً لذمتك، وتخلصاً من المرافعة، وكذلك لو ادعى عليك نصف الأرض، فقال: نصف أرضك هذه أو ثلثها لي.
فلما ادعى عليك أعطيته عن دعواه -مثلاً- عشرة آلاف وقلت: أشتري سمعتي، فخذ عشرة آلاف واسمح لي.
فعلم شريكك، فهل له أن يشفع فيقول: قد اشتريت هذه الأرض؟ ما له شفعة، وذلك لأنك تقول: ما اشتريت هذه الأرض، الأرض أرضي، لكن هذا ادعى علي وضايقني فأعطيته هذه العشرة لتنقطع الدعوى ولتنقطع الخصومة، والأرض لي ليس له فيها شيء فلا تثبت الشفعة والحال هذه.