[مصارف الزكاة]
أهل الزكاة هم المذكورون في الآية الكريمة من سورة التوبة، ذكروا أن رجلاً جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم يسأله من الزكاة، فقال: (إن الله لم يرض بحكم نبي ولا غيره في الصدقات حتى حكم فيها هو، فجزأها ثمانية أجزاء، فإن كنت من تلك الأجزاء أعطيتك حقك) فبين أن الله تعالى هو الذي تولى قسمها في قوله: (إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ) ، (إنما) أداة حصر، {لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ} [التوبة:٦٠] وحد الفقير: هو الذي دخله يكفيه أقل من نصف الشهر، وبقية الشهر يقترض، فإذا كان دخله خمسمائة وينفقها في ثلاثة عشر يوماً، وبقية الشهر ليس عنده شيء فهذا نسميه فقيراً، فإذا كان مثلاً دخله ستمائة وتكفيه سبعة عشر يوماً فنسميه مسكيناً، فالمسكين أقل حاجة من الفقير، والدليل أن الله تعالى ذكر الفقراء وحث على الإنفاق عليهم، قال تعالى: {إِنْ تُبْدُوا الصَّدَقَاتِ فَنِعِمَّا هِيَ وَإِنْ تُخْفُوهَا وَتُؤْتُوهَا الْفُقَرَاءَ فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ} [البقرة:٢٧١] ، وقال تعالى: {لِلفُقَرَاءِ الَّذِينَ أُحْصِرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ لا يَسْتَطِيعُونَ ضَرْباً فِي الأَرْضِ يَحْسَبُهُمْ الْجَاهِلُ أَغْنِيَاءَ مِنْ التَّعَفُّفِ تَعْرِفُهُمْ بِسِيمَاهُمْ لا يَسْأَلُونَ النَّاسَ إِلْحَافاً} [البقرة:٢٧٣] هكذا وصفهم، وكذلك في قوله: {لِلْفُقَرَاءِ الْمُهَاجِرِينَ} [الحشر:٨] وصفهم بأنهم فقراء؛ لأنهم تركوا أموالهم وهاجروا، فالفقراء أشد حاجة، وقد ثبت أنه صلى الله عليه وسلم استعاذ من الفقر: (أعوذ بك من الفقر إلا إليك) .
وأما المسكنة فالمسكين أخف حاجة، وهو الذي يكفيه دخله أكثر الشهر، والدليل قول الله تعالى: {أَمَّا السَّفِينَةُ فَكَانَتْ لِمَسَاكِينَ يَعْمَلُونَ فِي الْبَحْرِ} [الكهف:٧٩] فوصفهم بأنهم مساكين، وأن لهم سفينة يعملون عليها في البحر، فدل على أنهم قد يملكون بعض الأشياء، ومع ذلك يوصفون بأنهم مساكين، وقد ثبت أنه صلى الله عليه وسلم قال: (اللهم أحيني مسكيناً، وأمتني مسكيناً، واحشرني في زمرة المساكين) فكونه استعاذ من الفقر، وسأل ربه أن يجعله مسكيناً دل على أن المسكنة أقل شدة من الفقر.
الثالث: العاملون عليها، يعني: الجباة الذين يجمعونها، يرسلهم الأئمة ليجمعوها، فيكون لهم حق فيها بقدر تعبهم، ويستثنى من ذلك إذا كان لهم رواتب، فالحكومة في هذه الأزمنة تفرض لهم رواتب، فإذا كان كذلك فلا يحق لهم أن يأخذوا منها شيئاً، بل يكتفون بما يفرض لهم من الرواتب، فإن فرضت لهم الحكومة شيئاً ونسبة معينة اقتصروا عليها، ولا يزيدون، هذا هو الصواب.
الرابع: المؤلفة قلوبهم، وهم رؤساء القبائل ومن كانت لهم شهرة ومكانة في أقوامهم، فيعطون تأليفاً لهم، إذا كان يرجى إسلامه أعطي من الزكاة ولو كان كافراً حتى يسلم، أو ليقوى إيمانه، فهو مسلم، ولكن إيمانه ضعيف، فيعطى حتى يقوى إيمانه، أو إسلام نظيره، فإذا أعطيناه أسلم أولئك الآخرون من القواد والرؤساء، أو يرجى منه جباية زكاة، إذا كان رئيساً وقومه يطيعونه ولا يجبون الزكاة إلا إذا أمرهم، فإذا أعطيناه شيئاً منها سلم قومه وعشيرته ودفعوا الزكاة، فمثل هؤلاء مؤلفة قلوبهم فيعطون منها.
وثبت أنه صلى الله عليه وسلم لما غنموا غنائم حنين أعطى منها المؤلفة قلوبهم، ومنهم: عيينة بن حصن، والأقرع بن حابس، ومنهم عباس بن مرداس أعطاه أقل من عيينة والأقرع؛ فغضب لذلك فكمل له النبي صلى الله عليه وسلم مثلهم، لا شك أن مثل هؤلاء كانوا يُتألفون، وفي عهد عمر رضي الله عنه قوي الإسلام وانتشر وتمكن في البلاد، وعاد أولئك الرؤساء كسائر الناس لا يحتاج إلى تأليفهم، فأسقط عمر حقهم، وقال: إن الله قد أعز دينه فلا حاجة إلى أن نتألفهم، وليسوا فقراء ولا مساكين ولا ضعفاء ولا غارمين، ولا نعطيهم لأنهم أكابر ورؤساء وقواد، وهم لا يستحقون من الزكاة، إنما كان ذلك في حالة ضعف الإسلام، فأما بعد ما قوي الإسلام فلا حق لهم، وهذا هو السبب في إسقاطه حقهم.
الخامس: الرقاب، يعني: المماليك الذين اشتروا أنفسهم بمال مؤجل، ويسمون المكاتبين، فالمكاتب الذي اشترى نفسه يعطى من الزكاة حتى يوفي عن نفسه.
السادس: الغارمون، والغارم: هو المدين الذي عليه دين كثير لا يستطيع وفاءه، إما غارم لإصلاح ذات البين، كأن يقترض أموالاً يصلح بها بين فئتين من المسلمين، وإما غارم لنفسه يعني: استدان ولا يستطيع أن يفي، ولو لم يوصف بأنه فقير، ولو كان عنده دخل، ولكن الدين استغرق أمواله.
السابع: في سبيل الله، فسر بأنه في الجهاد، يعني: المجاهدون الذين ليس لهم رواتب، فيعطون من الزكاة ما يشترون به أسلحة وما ينفقون به على أنفسهم ذهاباً وإياباً ولو كانوا أغنياء في بلادهم؛ تقوية للمجاهدين وللجهاد، وتكون النفقة عليهم مضاعفة، فالنفقة في سبيل الله: الحسنة أو الدرهم بسبعمائة، وذهب بعض العلماء إلى أن كلمة في سبيل الله تعم وجوه الخير كلها، فيدخل في ذلك بناء المساجد، وبناء المدارس، وإصلاح القناطر، وإصلاح الطرق، وتهيئتها للسالكين، ويدخل في ذلك نشر العلم، وطبع الكتب، وتيسير وسائل العلم وما أشبه ذلك، وقالوا: إن سبيل الله كل وسيلة توصل إلى رضا الله تعالى.
ونقول: إذا تعطلت هذه المصالح ولم يوجد لها إلا مصرف الزكاة صرف فيها من الزكاة، وإلا فالأصل أن الزكاة لها مصرف خاص، وهو كونها في سبيل الله يعني: في القتال.
الثامن: ابن السبيل، ويعرفونه: بأنه المسافر الذي انقطع به السفر، وإن كان له أموال في بلاده، وفي هذه الأزمنة يمكنه أن يتصل ببلاده، ويطلب إرسال مال بواسطة البنوك، ويأتي بسرعة، لكن إذا لم يتيسر وبقي منقطعاً لا يستطيع حيلة، وليس له وسيلة يصل بها إلى أهله؛ حلت له الزكاة إلى أن يصل إلى أهله، هؤلاء هم أهل الزكاة الثمانية.