[كيفية غسل الميت]
صفة تغسيل الميت أن تنزع ثيابه المعتادة، وأن يستر بثوب، فإذا بدءوا بتغسيله وضعوا على عورته سترة تستر ما بين السرة إلى الركبة، ووضعوه على سرير، وبدءوا بالتغسيل.
وكذلك يستر عن العيون، بأن يستر في داخل غرفة مغلقة الأبواب والنوافذ، ولا يراه أحد إلا الذين يتولون تغسيله، ولا يجوز أن يغسل أمام الناس، ويتأكد أن يكون تحت سقف، وإذا لم يجدوا مكاناً مسقوفاً غسلوه في مكان مكشوف السقف، ولكن الأولى أن يكون في محل مستور.
ويكره أن يحضره إلا أهل التجهيز: الذي يدلك، والذي يصب عليه الماء، والذي يعلمهم بأن يقول: افعلوا كذا وكذا، يعني: الذين يقومون بتجهيزه هم الذين يحضرونه، ولا يجوز أن يحضره غيرهم لعدم الحاجة إلى ذلك.
ولابد من النية، فينوي تغسله الذي يتولاه.
ثم يسمي فيقول: باسم الله؛ وذلك لأنه ينوي رفع حدث عنه، والنية والتسمية مثل النية والتسمية في غسل الحيض، وقد عرفنا أن التسمية فيها خلاف، والمشهور أنها واجبة، وأن النية شرط، يعني: في غسل الحيض.
وبعد أن ينوي المغسِّل يرفع رأسه إلى قرب جلوسه، فيعصر بطنه برفق؛ ليخرج ما كان متهيئاً للخروج، فقد يكون في بطنه شيء، فإذا عصر بطنه برفق خرج، ولكن لا يعصره عصراً شديداً مخافة أن تخرج أمعاؤه، بل يعصر برفق، ويكثر من صب الماء حينئذٍ مخافة أن يخرج منه شيء له رائحة، فإذا أكثر من صب الماء فإنه يحمل الخارج بسرعة.
ويستثنى من ذلك الحامل، فلا يرفع رأسها، ولا يعصر بطنها؛ لأن ذلك قد يسبب خروج الحمل أو انشقاق البطن أو نحو ذلك.
وبعد أن يبدأ في تغسيله يلف على يده خرقة أو ليفة ينجيه بها، ويغسل بذلك فرجيه، فيدخل يده من تحت الستارة فيغسل قبله ودبره وما حول ذلك إلى تحت السترة، ويصب الماء على السترة ولا يكشفها، ولا يحل له أن ينظر إلى عورة مكلف، وهو من بلغ عشر سنين أو فوقها، فلا تكشف عورته، وإنما يدخل يده تحت السترة، ويصب الماء ويدلكه وعلى يده هذه اللفافة من خرقة أو نحوها.
قوله: (ويحرم مس عورة من له سبع سنين) يعني: من تمت له سبع سنين يحرم مس عورته وهما الفرجان.
وأيضاً ينظف فمه ومنخريه، ولا يدخلهما الماء، فلا يدخل الماء في فمه ليمضمضه مخافة أن يدخل الماء إلى جوفه فيحرك النجاسة، وكذلك في أنفه، وإنما يلف على إصبعيه خرقة، فيبل الخرقة فينظف بها فمه وأسنانه ومنخريه، ولا يدخلها الماء.
ثم يبدأ بأعضاء الوضوء، وينوي وضوءه، فيغسل وجهه كما يغسل وجه المتوضئ، ثم يغسل ذراعيه، ثم يمسح برأسه، ثم يغسل رجليه، كأنه وضوء حي، هذا أول ما يبدأ به أن يوضئه.
ثم بعد أن يوضئه يبدأ بغسل رأسه فيدلك رأسه، والرأس عادة فيه الشعر، والشعر يحتاج إلى دلك، وغالباً ما يكون فيه وسخ، فلأجل ذلك قالوا: يغسله بورق السدر، فيجعلون السدر في طست أو في إناء كبير، ثم يخضخضونه إلى أن يكون له رغوة، فيأخذون هذه الرغوة فيغسلون بها الشعر، ويدلكون الشعر، ولا يأخذون بثفل السدر؛ لأنه قد يدخل بين الشعر، فيكتفون بغسله بالرغوة، وكذلك اللحية يغسلها برغوة السدر حتى لا تدخل فيها حبات من حثالة ورق السدر.
والسدر معروف، فإذا يبس يسحق جيداً حتى يكون ناعماً كالدقيق، فيقوم مقام الصابون، يعني: تغسل به الأواني، وينظف به الجلد، وينظف به الثياب، فهو يقوم مقام الصابون، وهو من جملة المنظفات، فيستعمل في غسل الميت، كما أنهم كانوا يستعملونه لغسل الحي؛ لحديث أم سلمة لما كانت حادّة على زوجها فكانت تغسل رأسها بشيء من المزيل، فأمرها أن تغسل رأسها بالسدر بدلاً من الأشنان، وذكر أن الأشنان يشب الوجه، فقال: (اغسليه بالسدر) يعني: رأسها عندما تحتاج إلى اغتسال من حيض أو نحوه.
فيغسل رأسه ولحيته برغوة السدر، ويغسل بدنه بثفل السدر، يعني: بحثالته وبقية الماء الذي اختلط به، والعادة أن الماء يكتسب قوة من هذا السدر، فتكون فيه قوة تنظيف، يعني: قد يؤخذ ملئ الكأس من السدر، فيصب في طست يسع عشرين لتراً أو نحوه، ويكفيه هذا المقدار، فيغسل به الرأس والبدن.
قوله: (ويسن التثليث) بأن يغسله ثلاثاً (والتيامن) بأن يبدأ بشقه الأيمن، فيبدأ من رأسه، فيغسل شقه الأيمن الذي هو عنقه ويده اليمنى وجنبه الأيمن الذي أمام والذي خلف وفخذه إلى قدمه، ثم بعد ذلك يقلبه ويغسل جنبه الأيسر، يعني: يصب الماء ويدلكه، ويلف على يده خرقة أو ليفة يدلك بها جسده أو نحوها حتى لا يمس بشرته بيده، بل بواسطة هذه اللفافة ونحوها، فإذا غسله ثلاثاً اكتفي بذلك، وتجزئ واحدة منظفة.
قوله: (ويمر يده في كل مرة على بطنه) يعني: يعصر بطنه عصراً خفيفاً حتى يخرج منه ما هو مستعد للخروج من النجاسات ونحوها، فإذا كان عليه وسخ شديد واحتيج إلى تكرار الغسل فيزاد على الثلاث، ولكن يسن أن تكون وتراً؛ لحديث أم عطية أنه صلى الله عليه وسلم قال: (اغسلنها ثلاثاً أو خمسا ً أو سبعاً أو أكثر من ذلك إن رأيتن ذلك بماء وسدرٍ، واجعلن في الغسلة الآخرة كافوراً) فالقطع على وتر أفضل، فإذا احتاجوا إلى الغسلة الرابعة أضافوا إليها خامسة، فإن احتاجوا إلى ست أضافوا إليها سابعة، وفي كل غسلة يبدءون من أعلاه، يصبون عليه الماء ويدلكونه إلى رجليه.
ويكره أن يقتصر على غسلة واحدة مع إجزائها، فالغسلة الواحدة مجزئة، ولكن الأفضل ألا يقصر عن ثلاث.
ويستعمل الماء الحار والأشنان عند الحاجة إليه، والماء الحار قد يكون أقوى في التنظيف، فإذا احتيج إليه استعمل، وإن لم يحتج إليه فلا يستعمل، لماذا؟ لأنه يرخي الأعضاء، فلا يحتاج إليه سيما إذا كان شديداً إلا عند الحاجة إلى التنظيف به.
والخلال هو: تخليل الأسنان بعود أو نحوه إذا احتيج إلى ذلك وإلا فلا، والأشنان هو: ورق من شجر الوادي شبيه بالحمض، يؤخذ زهره ثم يجفف وييبس، ثم يسحق ويقوم مقام الصابون، وله قوة في التنظيف فيستعمل، فإذا لم تكن هناك حاجة فلا يستعمل، ويكتفى بالسدر.
وإذا كان على المرأة شعر طويل فإنه يسرح بمشط أو نحوه، كما ذكرت أم عطية أنهم جعلوا قرون رأسها ثلاثة قرون، والقرن هو الظفيرة، فجعلوه ثلاث ظفائر، وألقوها خلفها، وإذا كان على الرجل شعر طويل فإنه يسرح بالمشط ونحوه حتى ينظف.
وذكرنا أنه صلى الله عليه وسلم قال لـ أم عطية: (واجعلن في الغسلة الأخيرة كافوراً) والكافور معروف، يوجد عن العطارين ونحوهم، وهو شيء أبيض يسحق ثم يخلط بالماء في الغسلة الأخيرة، وفائدته: أنه يصلب الأعضاء، ويصلب البشرة، ومعلوم أنه بعد السدر يحتاج إلى غسلة أخرى حتى ينظف أثره ولزوجته.
وذكر المؤلف خضاب الشعر، والصحيح أنه لا حاجة إليه؛ لأنه يفعل في الدنيا، فالمرأة تخضب شعرها بالحناء أو نحوه للجمال، فأما بعد الموت فلا حاجة إلى تخضيبه.
وإذا كان شارب الرجل طويلاً أو أظفاره فإنه يقص الشارب وتقلم الأظفار؛ لأنه من تمام الجمال.
وأيضاً بعدما يغسل ينشف بثوب أو نحوه، إلا إذا كان محرماً فيجنب المحرم ما يجنب في حياته، بمعنى أنه لا يطيب، ولا يغطى رأسه في حال موته؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: (غسلوه بماء وسدر، وكفنوه في ثوبيه، ولا تحنطوه، ولا تخمروا رأسه، فإنه يبعث يوم القيامة ملبياً) فيجنب المحرم ما يجتنب في حياته.