[ثبوت الزنا بالبينة أو الإقرار]
الشرط الثالث: ثبوت الزنا، ويثبت بالبينة والإقرار، فالبينة لابد أن يكونوا أربعة شهداء؛ لقول الله تعالى: {فَاسْتَشْهِدُوا عَلَيْهِنَّ أَرْبَعَةً مِنْكُمْ} [النساء:١٥] ، ولقول الله تعالى: {وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ} [النور:٤] ، ولقوله في آية الإفك: {لَوْلا جَاءُوا عَلَيْهِ بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ} [النور:١٣] ، فاختص الزنا بأنه لابد من أربعة شهداء يشهدون عليه، وهؤلاء يكونون رجالاً، فلا تقبل شهادة النساء، ولابد من العدالة، فلو كان فيهم فاسق أو مقدوح في عدالته لم تقبل شهادته، ولابد أن يشهدوا جميعاً في مجلس واحد، فلو جاء اثنان في مجلس واثنان في مجلس لم يثبت بذلك الزنا، فلابد أن يجتمعوا في مجلس واحد، ولابد أن يشهدوا في زناً واحد، فلو قال هذان: زنى يوم السبت.
وقال الآخران: زنى يوم الأحد.
فشهدا بزناً متكرر فلا يثبت.
وكذلك لابد من وصفه، بأن يقولوا: رأيناه بأعيننا يزني بهذه المرأة أو بفلانة زناً صحيحاً.
وبعض العلماء قالوا: لابد أن يشهد الأربعة بأنهم رأوا فرجه في فرجها، أو ذكره في قبلها.
ولكن يظهر أن هذا ليس بشرط، ولكن إذا تأكدوا أنه يزني بها ولم يروا الفرجين اكتفي بذلك؛ لأنه عادة لا يتمكن من رؤية الفرجين، قد يكونان ملتحفين مثلاً أو نحو ذلك، فعلى كل حال إذا قالوا: نتأكد ونوقن بأنه قد زنى بها، وأنه قد أولج فرجه في فرجها وإن لم نر الفرجين.
وتحققوا في ذلك قبلت شهادتهم، فلا حاجة إلى ما شدد به الفقهاء في ذلك، فإن مع تشديدهم لم يتمكن من إقامة الحد بهذه الشهادة، وذكر عن شيخ الإسلام أنه يقول: لم يقع رجم منذ عهد الصحابة إلى عهدنا هذا بشهود على ما ذكره الفقهاء؛ لأنه لا يتصور أنهم يكشفون عن الفرجين، يعني: طوال هذه القرون ما ثبت الزنا بأربعة شهود يصفونه فيقولون: رأينا قبله في قبلها، أو رأينا فرجه في فرجها.
ولا يمكن، فلذلك يكتفى بالعلم، والشهود الذين شهدوا على اليهودي قالوا: نعم.
رأينا فرجه في فرجها، ولكن يظهر أن ذلك مجرد يقين، أي: علمنا وتيقنا أنه أولج في فرجها، وأنه زنى بها زناً صريحاً، فهذا الذي يثبت به أولاً.
وأما الإقرار فهو أن يعترف به أربع مرات مع حقيقة الزنا وحقيقة الوطء، وهكذا قرر النبي صلى الله عليه وسلم ماعزاً لما جاء معترفاً، فقال له: (لعلك قبلت أو غمزت أو لمست؟) ، يعني: فعلت مقدمات، فقال: (لا، فقال: أتدري ما حقيقة الزنا؟ قال: نعم، أتيت منها حراماً ما يأتي الرجل من أهله حلالاً) يعني: أولج فيها يعني جماعاً كاملاً، فهذا هو حقيقة أن يعترف بحقيقة الزنا.
واشترطوا أن يبقى مقراً بهذا الزنا حتى يفرغ من رجمه أو يفرغ من جلده، فإن تراجع فإنه يدرأ عنه، هذا قول، وذلك لأنهم ذكروا أنهم لما بدءوا برجم ماعز وكانوا لم يقيدوه يقول جابر: كنت فيمن رجمه، فلما أذلقته الحجارة هرب، فلحقناه حتى أدركناه بالحرة، فرجمناه حتى مات، وذكروا أنه لما ذكر للنبي صلى الله عليه وسلم أنه هرب، قال: (هلا تركتموه؟!) يعني لما هرب، فيخاف أن ذلك منه تراجع، واعتذر بعض العلماء بأن معنى قوله: (هلا تركتموه) يعني: حتى تتأكدوا أو تأتوا به إلينا.
والصحيح أنه إذا ثبت باختياره وإقراره ودون إكراه، واعترف على نفسه فإنه -والحال هذه- يقام عليه الحد، ولو قال: إني ندمت، أو كذبت أو تراجعت أو ما أشبه ذلك لا يقبل تراجعه، وكذلك أيضاً الشهود، فلو قال أحد منهم بعدما تمت الشهادة وكتبت: إني رجعت أو: إني أخطأت بالشهادة عليه إذا كان قد تلفظ بالشهادة.