يتعلق هذا الفصل بالعدة والإحداد والاستبراء؛ والحكمة في ذلك: عدم اختلاط الأنساب، وذلك أن الرحم إذا كان مشغولاً بحمل لم يجز لغير الزوج أو السيد وطء تلك المرأة التي انشغل رحمها بحمل، فإن ذلك فيه شيء من اختلاط الأنساب، وهكذا لو علقت بحمل ثم طلقت وتزوجت، أو توفي عنها وتزوجت، فإنه لا يدري: هل الولد للأول أو للثاني، وقد يتنازعانه، فكل منهما يدعي أنه منه، وقد يكون ذلك سبباً في أن الولد يتعقد ولا يدري هل هو ولد هذا أو ولد هذا! هذا هو السبب.
ولأجل ذلك حرم وطء الحامل، وقد ثبت في الحديث قوله صلى الله عليه وسلم:(من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يسقي ماءه زرع غيره) ، وهذا على وجه الاستعارة، يعني: فلا يطأ امرأة غيره إذا كانت حاملاً، فإنه يسقي ذلك الولد من مائه الذي هو المني، وإذا فعل ووطئ المرأة الحامل فربما ينسب الولد إليه وهو ليس ولداً له، فذكروا أيضاً أن وطء الحامل يزيد في بصر الحمل أو في قوته أو نحو ذلك، فيكون الولد مشتركاً فيه هذا وهذا.
هذه هي الحكمة من هذا الباب الذي هو العدد.
وكان أهل الجاهلية لا يبالون باختلاط الأنساب، وفي الحديث الذي في البخاري عن عائشة: أنها ذكرت أن النكاح في الجاهلية على عدة أقسام، وذكرت منها: قسم الزواني اللاتي ينصبن الأعلام على بيوتهن، وهن العاهرات، وكل من رأى هذا العلم عرف أنه على امرأة بغي.
وقسم آخر هو الاستبضاع، وهو أن الرجل يرسل امرأته إلى رجل شريف، ويقول لها: اذهبي استبضعي منه.
أي: مكنيه من نفسك حتى تعلقي بولد، ليكون ولداً لنا، ويكون فيه صفات ذلك الشريف من شجاعة أو كرم أو بسالة أو قوة، فيكون هذا فيه أيضاً اشتراك في هذا الولد.
وذكرت أيضاً قسم الاشتراك، وهو: أن يتفق خمسة أو عشرة في الدخول على المرأة، وكل منهم يطؤها، وإذا علقت بالحمل ووضعت حملها أرسلت إليهم، وقالت: قد علمتم ما حصل منكم، وقد وجد هذا الولد، ثم إنها تختار واحداً منهم وتعلقه به فتقول: هو لك يا فلان! ولا يستطيع أن يرد ذلك، فيتبناه.
ولما جاء الإسلام حدد الزواج المباح الذي هو وطء الزوجة بنكاح صحيح، أو وطء الأمة بملك يمين، وما عدا ذلك فإنه محرم، ويحرم على المطلقة أو المتوفى عنها أن تتزوج حتى تستبرئ رحمها، وذلك بشرع هذه العدة.
وجعل العدة أكثر من مدة الاستبراء كما سيأتي في هذه الأقسام، وكل ذلك من مصالح العباد، وفيه فوائد عظيمة تدل على أن الإسلام راعى الزوجية، وأنه جاء بالمصالح ودرء المفاسد.