وصف المصنف من يستحب نكاحها بأنها حسيبة، يقول المعلق: أصل الحسب: الشرف بالآباء أو بما يعده الإنسان من مفاخرهم.
وقوله:(يسن أن تكون حسيبة) يعني: من قوم ذوي شرف، واختلف في حقيقة الشرف: فمن الناس من يقول: إن الشرف هو: الكرم والسخاء والجود، والشجاعة والشهرة والإقدام، وإنه بذلك يكون شريفاً، ولكن هذا أيضاً ليس بمطرد، ولا ينتفع به الخلف، فلا ينتفع خلف بشرف آبائهم وأسلافهم، ولذلك ورد النهي عن الافتخار به، قال النبي صلى الله عليه وسلم:(لينتهين أقوام عن فخرهم بآبائهم الذين ماتوا أو ليكونن أهون على الله من الجعلان) يعني: أنهم يفتخرون بآبائهم وأسلافهم، وفي حديث آخر:(إنما هو مؤمن تقي، أو فاجر شقي، الناس كلهم بنو آدم، وآدم من تراب) ، وفي حديث أخر أنه قيل: يا رسول الله! من أكرم الناس؟ فقال:(أكرمهم عند الله أتقاهم) إلى آخر الحديث، فيكون الحسب هو: التقوى والديانة.
ولا شك أيضاً أن من الحسب شرف النسب، وقال صلى الله عليه وسلم:(تنكح المرأة لأربع: لمالها، ولحسبها، ولجمالها، ولدينها، فاظفر بذات الدين تربت يداك) يعني: أن أكثر الناس إنما يسألون عن هذه الأربع، فمنهم من يسأل عن شرف الآباء، فهذه أهلها أوفياء وشجعان وكرماء وأمراء وقادة وسادة؛ فلها شرف ولها نسب رفيع، ثم يذكرون أن هذا الشرف قد يحملها على صيانة نفسها، وصيانة عرضها، وصيانة زوجها، وحفظ نفسها، فلا تتعرض لما يقدح في شرفها، ولما يجلب السمعة لأهلها، فيكون ذلك مما يجلب لها سمعة سيئة، فيذكرون أنها إذا كانت ذات نسب وذات شرف حفظت نفسها عن الدناءات، وعن الأقذار، وترفعت عما لا يستحسن، فتتخلق بالأخلاق الرفيعة، وتتخلى عن الأخلاق الدنيئة التي تقدح في شرفها، والتي تجلب لأهلها سمعة سيئة، فهذا لا شك أنه يقع، ولكن ليس بمطرد دائماً؛ وذلك لأن كثيراً من الناس ذكوراً وإناثاً آباؤهم أهل صيانة وأهل حسب وأهل شرف، ومع ذلك لا يكونون مثلهم ولا قريباً منهم، فلا ينفعهم شرف آبائهم، كما يقول الشاعر: إذا افتخرت بأقوام لهم شرف قلنا صدقت ولكن بئس ما ولدوا أي: أنك ما وافقتهم على شرفهم، بل صرت مخالفاً لهم خلافاً ظاهراً، فحسب الإنسان هو فعله، وكما قال بعضهم أيضاً: كن ابن من شئت واكتسب أدباً يغنيك محموده عن النسب فالحاصل: أن هذا مقصد من المقاصد، وهو كونها حسيبة.
وقوله:(دينة) أي: ذات دين، ولا شك أن هذا من المقاصد الحسنة؛ لقوله في الحديث:(فاظفر بذات الدين تربت يداك) ، وهذا أيضاً مقصد من المقاصد.
وأما مقصد الجمال فهو أيضاً بلا شك من المقاصد المعروفة، فإن الكثير يقصدون جمال المرأة وحسنها، فإذا كانت دميمة الخلقة فإن النفس تنفر منها، ولأجل ذلك أبيح النظر إليها قبل العقد، فالجمال من دوافع ومن دواعي النفس، ولكن مع ذلك قد لا يكون مقصداً مقصوداً؛ لأنها قد تفتخر عليه إذا كانت جميلة، وقد تترفع عليه، وتقول: لست كفئاً لي، أنا أجمل النساء، وأنا وأنا، فلا يكون هذا مقصوداً أساسياً.
أما قصد المال فهو أيضاً مقصد لكثير من الناس، فهناك من يتزوج المرأة لأجل أنها ذات ثروة وغنىً وكثرة مال، وفي هذه الأزمنة قد يتزوجها لكونها موظفة تتقاضى مرتباً قد يكون مثل مرتب زوجها، أو قد تكون أكثر منه دخلاً، فيتزوجها لذلك، وهذا أيضاً ليس مقصداً أساسياً؛ وذلك لأنها قد تفتخر عليه، وتمنّ عليه وتقول: أنا الذي كفلتك، وأنا الذي أعطيتك، وأنفقت عليك، وقضيت دينك، وأنفقت على ولدك، وأعطيتك، وكذا وكذا، فذلك مما يوقعه في امتنانها عليه، وهذا مما يضجره ويمله، فلذلك لا يكون هذا أيضاً مقصداً أساسياً، إنما المقصد الأساسي أن تكون دينة.