النقود: هي الدراهم التي تصنع من الفضة أو الدنانير التي تصنع من الذهب، فالدرهم قطعة صغيرة من الفضة كانوا يتعاملون بها، والنصاب منها مائتا درهم كما هو معروف، وتساوي بالريال الفضي السعودي ستة وخمسين ريالاً، وتساوي بالريال الفرنسي اثنين وعشرين ريالاً فرنسياً، والريالات الفرنسي والسعودية موجودة عند الصيارفة، فهذا مقدار الدرهم العربي، وأما الدينار فهو قطعة من الذهب صغيرة أيضاً، وتساوي أربعة أسباع الجنيه السعودي المصنوع من الذهب، فالجنيه السعودي الموجود الآن عند الصيارفة أربعة أسباعه دينار؛ ولذلك قالوا: نصاب الذهب بالجنيه السعودي أحد عشر جنيهاً وثلاثة أخماس الجنيه، مع أنها بالدينار عشرين ديناراً، فيعرف بذلك الفرق بين الجنيه السعودي وبين الدينار العربي.
ومن النقود الفلوس، وهي: قطع صغيرة من النحاس تسمى فلوساً، وهي أيضاً نقود يشترى بها الأشياء الرخيصة، وتشبه ما يسمى عندنا بالهلل، والهلل: قطع صغيرة من النحاس توجد في البنوك وعند الصيارفة، وهي أيضاً من النقود، وكانوا يتعاملون أيضاً بقطع صغيرة من النحاس اسمها دوانيق، واحدها دانق، والدرهم ستة دوانق، هذه هي النقود المضروبة.
واعلم أن الذهب أول ما يستخرج من الأرض يكون فيه أخلاط من نحاس ومن حديد ومن تراب، ويسمى قبل أن يصفى تبراً، وفي هذه الحال يجوز بيعه بفضة، ولا يجوز بيعه بذهب، وذلك لعدم تحقق المساواة؛ لأنه إذا كان ربع كيلو جرام من التبر لا ندري كم خلطه من النحاس، وكم خلطه من التراب، فلابد أن يصفى، وتسمى تصفيته سبكاً، والسباك هو الصائغ، الذي يصوغ أو يصفي، يقول الشاعر: سبكناه ونحسبه لجيناً فألقى الكير عن خبث الحديد السبك: هو التصفية، وتصفية التبر بأن يدخل في الكير، ثم يحمى عليه فيذوب الحديد في جانب ويتجمد، ويذوب الذهب ويتجمد، ويبقى التراب والحجارة لا تذوب، فيعرف بذلك مقدار ما فيه من النحاس، ومقدار ما فيه من التراب، وما فيه من الذهب، واللجين: اسم للذهب، والعرب تسميه (لجيناً) كما في قول الشاعر: عيون من لجين شاخصات بأحداق هي الذهب السبيك فإذا صفي الذهب من هذا الخلط يسمى مسبوكاً، وقوله:(سبكناه ونحسبه لجيناً) يعني: أدخلناه الكير حتى نسبكه، فإذا صار قطعاً من ذهب سمي سبائك، يقولون: سبائك الذهب، يعني: قطع الذهب الخالصة من الخلط، ففي هذه الحال إذا كان مسبوكاً صافياً من الأخلاط، فإذا بيع بذهب فلابد أن يكون مثلاً بمثل، وإذا بيع بفضة فلابد أن يكون يداً بيد، وكذلك إذا بيع وهو سبائك بحديد أو بقطن أو بنحاس فلابد أن يكون يداً بيد، وذلك لأن العلة واحدة، وهي كون هذا موزوناً وهذا موزوناً، فالصائغ يأخذ هذه السبائك ثم يصوغها، يجعلها صوغاً، والصوغ: هو ما يلبس، يصوغها خواتيم في الأصابع، أو يصوغها أسورة في الأيدي، أو يصوغها قلائد في الرقاب، أو يصوغها أقراطاً في الأذن، ففي هذه الحال إذا كان مصوغاً فإنه أيضاً -على المشهور- لا يباع إلا مثلاً بمثل، يعني: وزن ذهب بوزن ذهب، يعني هذا مصوغ وهذا مسبوك، لا يباع إلا مثلاً بمثل، وزناً بوزن، يداً بيد، وإذا بيع وهو مصوغ بدراهم فلابد من التقابض قبل التفرق، ولا يجوز فيه النسأ؛ وذلك لأن العلة واحدة، وهي أن هذا موزون وهذا موزون.
وقد يضرب بعد ذلك دنانير أو يضرب جنيهات، وفي هذه الحال يسمى مضروباً، وتجدون مكتوباً على الريال: ضرب في مكة المكرمة أو ضرب في كذا وكذا، يعني: جعل على هذه الحالة التي هي كونه نقداً، فإذا كان مضروباً سمي نقداً، وأما إذا كان مصوغاً أو مسبوكاً أو تبراً فلا يسمى نقداً، فالنقد هو الذي ضرب دراهم إذا كان من فضة أو دنانير إذا كان من ذهب مثل الجنيهات الذهبية والريالات الفضية، فبهذا يعرف الفرق بينهما.
فالحاصل أن العلة في الذهب والفضة كونهما موزوني جنس، فإذا بيع ذهب بفضة فلابد أن يكون يداً بيد، ولا يجوز فيه النسأ، والأدلة عليه كثيرة، منها ما في حديث عبادة أنه قال:(فإذا اختلفت هذه الأصناف فبيعوا كيف شئتم إذا كان يداً بيد) ، وفي حديث: أن طلحة جاءه رجل ومعه دنانير، فعرضها عليه ليشتريها بدراهم، فتفاوضا واتفقا على أن يعطيه البعض وقال: الباقي آخر النهار إذا جاءتني جاريتي أو خادمي، وسمع ذلك عمر بن الخطاب رضي الله عنه فقال: والله! لا تفارقه حتى تستلم، إن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن بيع الذهب بالفضة إلا يداً بيد.
ومن الأدلة عليه أيضاً حديث عبد الله بن عمر قال: كنا نبيع الإبل بالبقيع، فنبيع بالدراهم ونأخذ الدنانير، ونبيع بالدنانير ونأخذ الدراهم، فسألنا النبي صلى الله عليه وسلم فقال:(لا بأس، ما لم تفترقا وبينكما شيء) فإذا كان رأس المال من النقدين المضروبين جاز النسأ، والناس بحاجة إلى ذلك، فأنت -مثلاً- تشتري عشرة كيلو جرام من اللحم، وليس معك ثمن، ومعلوم أن اللحم موزون، وأن الدراهم موزونة، فذلك موزون بموزون، ولابد أن يكون يداً بيد لأن العلة واحدة، ولكن لما كان أحد النقدين هو الثمن تسومح في ذلك، فجاز أن يكون الثمن غائباً، فجاز بمائة درهم تشتري بها عشرة كيلو جرام لحم، أو عشرة كيلو حديد أو قطن أو ما أشبه ذلك، مع التأخير.
ويأتينا أيضاً في السَلَم أنه يجوز ذلك في الموزنات، والسَلَم: هو كون الثمن حاضراً والمثمن غائباً، فيجوز في الموزنات مع أن العلة واحدة، فتقول لإنسان -مثلاً-: أشتري منك في ذمتك مائة رطل حديد، كل رطل بخمسة، وأعطيك الثمن الآن، وتعطيني الأرطال بعد سنة أو نصف سنة، يسمى هذا سلماً، ومع ذلك الدراهم علتها الوزن، والحديد علته الوزن، وكذا القطن واللحم وما أشبه ذلك، فيجوز إذا كان أحد العوضين من النقدين.