قال المصنف رحمه الله:(ومن ادعت انقضاء عدتها وأمكن قبل، لا في شهر بحيض إلا ببينة) ذُكِر أن رجلاً طلق امرأته، وبعدما أتمت شهراً رجعت إلى علي رضي الله عنه وقالت: إني قد انقضت عدتي في شهر واحد، فسأل شريحاً: هل يمكن؟ فقال: إن جاءت ببينة من صالحي أهلها تشهد بذلك، وإلا فهي كاذبة، فإذا ادعت انقضاء عدتها في شهر واحد فهي كاذبة؛ إلا إذا جاءت ببينة، وأما إذا كان الزمن ممكناً فإنه يقبل بلا بينة؛ وذلك لأنها مؤتمنة على نفسها، والله تعالى يقول:{وَلا يَحِلُّ لَهُنَّ أَنْ يَكْتُمْنَ مَا خَلَقَ اللَّهُ فِي أَرْحَامِهِنَّ إِنْ كُنَّ يُؤْمِنَّ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ}[البقرة:٢٢٨] فهي مأمونة على ما في رحمها من الحمل أو الحيض.
وأما قصة علي وتلك المرأة فقال العلماء: يمكن وقوعها إذا اعتبرنا أقل الحيض وأقل الطهر، فيمكن أنها بعدما طلقها الزوج حاضت في اليوم الثاني من وقت طلاقها، ولم تبق إلا يوماً، وهو أقل الحيض، ثم طهرت في اليوم الثاني من حيضها، ولما طهرت حسبنا هذه حيضة ثم بقيت ثلاثة عشر يوماً وهي طاهر، ثم حاضت الحيضة الثانية، ولما مضى عليها يوم طهرت في اليوم الثاني، فهنا مضى عليها حيضتان في ستة عشر يوماً، ثم طهرت الطهر الثاني ثلاثة عشر يوماً، ففي اليوم التاسع والعشرين حاضت الحيضة الثالثة، وطهرت في اليوم الثلاثين أو في اليوم الواحد والثلاثين، فهي حاضت في اليوم الأول، وفي اليوم الخامس عشر، وفي اليوم التاسع والعشرين، في شهر واحد حاضت ثلاث حيضات، وبينهما طهران، فتقبل إذا جاءت ببينة، ولكن هذا شيء نادر، يعني: قليل أن توجد امرأة يكون حيضها يوماً واحداً وطهرها ثلاثة عشر أو أربعة عشر يوماً، غالب النساء تحيض وتطهر في شهر، غالب حيضها ستة أيام أو سبعة أيام، وغالب طهرها ثلاثة وعشرون أو أربعة وعشرون يوماً، هذه عادة النساء.
فعلى هذا العادة لا تنقضي عدتها إلا في ثلاثة أشهر، فلو انقضت عدتها في شهرين وأمكن ذلك قبل منها؛ لأن هذا شيء لا يعرف إلا من قبلها، وأما في شهر فلا يقبل إلا ببينة.