وذلك لأنها لا تؤخر إلا للضرورة، وقت الضرورة يكون في صلاة العصر والعشاء، إلا لمن له الجمع بنيته إذا كان يجوز له الجمع، كإنسان سائر في الطريق ودخل عليه وقت الظهر وهو مستمر في السير، ويحب مواصلة السير، فدخل عليه وقت العصر، وهو مشتغل أيضاً بالسير ويحب مواصلة السير، فخرج وقت الاختيار الذي هو أن يكون ظل كل شيء مثليه، واستمر في سيره حتى دخل وقت الضرورة.
أي: قبل الغروب بنصف ساعة أو بثلث ساعة فوقف، فصلى الثنتين في وقت الضرورة.
أي: في وقت العصر الذي هو وقت الضرورة.
وكذا لو كان سائراً في الليل، وشق عليه النزول، وأراد مواصلة السير، فلم ينزل إلا في آخر الليل، فإنه يجوز له؛ لأن هذا له عذر في التأخير، فأما الإنسان المقيم فلا يجوز أن يؤخر العصر إلى ما قبل الغروب؛ لما ورد في ذلك من قوله صلى الله عليه وسلم:(تلك صلاة المنافق، يرقب الشمس حتى إذا كانت بين قرني شيطان قام فنقر أربعاً، لا يذكر الله فيها إلا قليلاً) يعني: أنه فرط في الوقت وأخره صلاة العصر إلى أن قرب الغروب، وقد ورد:(أن الشمس تغرب بين قرني شيطان، فحينئذ يسجد لها المشركون) ، كذلك تطلع بين قرني شيطان، ولأجل ذلك نهي عن الصلاة في هذين الوقتين: عند الطلوع وعند الغروب؛ لئلا يكون سجوده للشيطان.
فالحاصل أنه لا يجوز تأخيرها إلى آخر الوقت -وقت الضرورة مثلاً- إلا لمن له الجمع بنيته، قال:(ومشتغل بشرط لها يحصل قريباً) : إذا كان أخرها لأجل أن يشتغل بشرطها، فعرف أن شرطها يحصل قريباً، مثاله: تأخر لانتظار الماء، فينتظر أن يأتيه الماء، لأنه الآن ليس عنده ماء، وقد أرسل وارداً، فينتظر ولو خرج وقت الاختيار ودخل وقت الاضطرار.
مثال ثانٍ: السترة.
يعني: الثياب، إذا كان ليس عليه ثياب تستره، ولكن ينتظر أن يأتي فلان بثوب ساتر أو ينتظر خياطة هذا الثوب الذي يستر به عورته، فله أن يؤخرها لانتظار هذا الشرط، وكذا بقية الشروط.