ما هي صفات القاضي التي ينبغي أن يتحلى بها من الأخلاق؟ قال:(يسن كونه قوياً بلا عنف، ليناً بلا ضعف، حليماً، متأنياً، فطناً، عفيفاً) ، هذه مما يشترط في صفات القاضي؛ لأنه إذا كان ضعيف الجانب، ليس له هيبة، وليس له سلطة؛ طمع فيه الظالم، ولبس عليه، بخلاف ما إذا كان مهيباً، ولكن لا تكون هيبته قوة شديدة بحيث يهابه صاحب الحق، ولا يقدر على أن ينطق بحق؛ لأن بعض القضاة يظهر شدة ويظهر قوة ويظهر اعتزازاً، فإذا رآه المظلوم أيس من حقه وقال: هذا متعجرف، وهذا متكبر، كيف آخذ حقي منه؟ هذا شديد لقوة كلامه ولصرامته، فلا يطمع في أخذ شيء من حقه، فيكون بذلك ظالماً، فلابد أن تكون قوته ليس فيها عنف وبطش.
وأن يكون ليناً ليس معه ضعف، فيكون لين الجانب، سهل الأخلاق، مسفر الوجه، طليقه، يتواضع مع الصغير والكبير، ولكن بحيث لا يطمع فيه أهل الظلم، فيغتنم دينه ويخدعه ويصرفه عن طريق الحق، لابد أن يكون ليناً ولكن لا يكون مع اللين ضعف شديد.
وأن يكون حليماً، فلا يعجل، وإذا تكلم عليه أحد لم يغضب ولم يشتد في كلامه، بل يغلبه الحلم.
وأن يكون متأنياً، والتأني هو التريث في الأمور وعدم العجلة، حتى يعرف الحق ويحكم به بعد أن يتضح دليله، بخلاف الذي يحكم بسرعة فإنه قد ينتقض حكمه؛ لأنه لا يكون عارفاً، فالعارف يتأنى في الأمور، ولا يتسرع، ولا يحكم إلا بعد ما يتتبع القضية من هذا ومن هذا.
ويسن أن يكون فطناً، أي: ذكياً، وإذا كان بليداً فإنه قد يعتقد الظالم محقاً ويحكم له، ولا يتفطن لحيلة، فإن الناس معهم حيل ومعهم أفكار قد يصرفون بها القاضي، حتى أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:(إنكم تختصمون إلي، ولعل بعضكم يكون ألحن من حجته من بعض فأقضي له بنحو مما أسمع، فمن قضيت له بحق أخيه فإنما أقطع له قطعة من النار فليأخذها أو ليدعها) وهذا أيضاً يدل على أنه يستحب للقاضي نصيحة الخصوم وتوبيخهم حتى يقنعوا، وحتى يرجع الظالم عن ظلمه، وحتى ينصرفوا وهم راضون عن القاضي.
وأن يكون عفيفاً، والعفيف هو الورع المتعفف عما لا يحل، والعفة تكون عن الحرام وتكون عن المشتبهات، فإذا كان يتعامل بالمشتبهات في بيعه أو في شرائه أو في تصرفه دخل عليه الخلل ودخل عليه العيب، ورمي بأنه يتجرأ على حقوق الناس، وبأنه يأخذ ما لا يحل، فيكون ذلك طعناً فيه فلا تقبل أحكامه ولا نصائحه.