[تعريف الوصية وسنية كتابتها]
الوصايا: جمع وصية، واشتقاقها من وصيت الشيء إذا وصلته، سميت بذلك لأن الموصي وصل ما قبل الموت بما بعد الموت.
وتعريفها: أنها الأمر بالتصرف بعد الموت، يعني أن يوصي غيره بأن يتصرف له بعد الموت بكذا وكذا، فيدخل فيها أن يوصيه بأولاده، فيقول: أنت وكيلي على ذريتي الأطفال تنفق عليهم وتحفظ أموالهم، ويدخل فيه أن يوصيه بتفريق ثلثه أو بتنشئته أو نحو ذلك، ويدخل في ذلك أيضاً أن يوصي إليه بوفاء دينه، أو ما أشبه ذلك.
ويستحب أو يتأكد أن يكتب وصيته، فقد ثبت في الصحيحين عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ما حق امرئ مسلم له شيء يريد أن يوصي فيه يبيت ليلتين إلا ووصيته مكتوبة عنده) ، فمن هذا استحبوا بتأكد كتابة الإنسان وصيته في حياته، ولو كان شاباً، ولو كان سليم القوى، وذلك لأنه لا يدري متى يفجؤه الأجل، فإذا كتب وصيته ومات فجأة كان قد أوصى، واحتاط لنفسه.
فيكتب الديون التي له: عند فلان لي كذا، وعند فلان كذا وكذا، ويكتب الديون التي في ذمته: عندي لفلان كذا، وعندي لفلان كذا، ويكتب الأمانات التي عنده، فيقول: عندي لفلان أمانة في موضع كذا وكذا، وقدرها كذا أو نوعها كذا وكذا، أو عندي وصية أبي أو وقف جدي أو أبي الذي فيه كذا وكذا، فيفصل ذلك، حتى لا يبقى في ذمته شيء؛ وذلك لأنه إذا مات ولم يكتب وصاياه وديونه، ثم جاء الغرماء إلى ورثته وقالوا: إننا نطالبه بدين مقداره كذا.
فالورثة قد لا يصدقون، وقد يأتيهم من هو كاذب، فربما يكون أحدهم صادقاً ويتورع عن الحلف، أو لا يجد بينة، فلا يأتيه حقه، فيبقى الميت معلقاً بدينه، ويؤخذ في الآخرة من أعماله.
وكذلك قد تضيع حقوقه وديونه التي على الناس مع حاجة ورثته إليها، فلذلك يتأكد أن يحتاط ويكتب ما كان عنده من أمانات ومن وصايا وأوقاف وديون وغيرها.
وقد كتب كثير من المشايخ نماذج للوصايا صغيرة أو كبيرة، حتى طبعت رسالة في نحو عشرين صفحة مكتوب عليها كعنوان "هذه وصيتي"، ففي مقدمتها فضل الوصية والاحتياط لها، وما يكتبه، وما عنوان الديون التي له، والأملاك التي لي، والديون التي علي، والأملاك التي أنا شريك فيها، وكذلك أيضاً أوصي بكذا وكذا، وعلى وصيي أن يعمل بكذا وكذا.
وبعضهم اختصر نموذجاً وجعله في صفحة أو في صفحتين، وجعل فيه بياضاً يكتب فيه الموصي اسمه واسم الوكيل الذي يوصيه، وبياضاً أيضاً لما يريد أن يثبته في ذمته من الديون أو الحقوق، أو ما يوصي من المال كثلث أو ربع أو خمس، وما يريد أن يجعله في تلك الوصية من مال أو من أعمال بر، فإذا حصلت على هذا النموذج وكتبته في مقدمة وصيتك أو أشغلت فيه الفراغ الذي في وسطه واحتفظت به، فإن ذلك أولى وأحرى وأجدر.
ومعلوم أيضاً أن الموصي في حياته يغير ما يريد، فيزيد في وصيته ويغير فيها، فإذا قال: إذا مت فبيتي يصير وقفاً، ثم بدا له في حياته فباعه جاز له ذلك، أو نقله من بيت إلى بيت، جاز ذلك؛ لأنه في حياته يملك التصرف في وصيته بزيادة أو بنقص أو بتغيير أو نحوه؛ وذلك لأنها لا تثبت إلا بعد الموت.
ثم هناك أيضاً مقدمة للوصية رواها كثير من العلماء، وكانوا يكتبونها في مقدمة وصاياهم، وهي موجودة في مصنف عبد الرزاق وغيره من المصنفات القديمة، وذلك أنهم كانوا يكتبون في مقدمة الوصية: هذا ما أوصى به فلان، وهو يشهد أن لا إله إلا الله، وأن محمداً عبده ورسوله، وأن عيسى عبد الله ورسوله، وكلمته ألقاها إلى مريم وروح منه، وأن الجنة حق، والنار حق، وأن الساعة آتية لا ريب فيها، وأن الله يبعث من في القبور.
ويوصي من خلفه أن يتقوا الله، ويصلحوا ذات بينهم إن كانوا مؤمنين، وأن يحافظوا على الصلوات، وأن يبتعدوا عن المحرمات إلخ ذلك من نصائح يكتبها لورثته أو لمن بعده، فكانوا يستحبون هذا في مقدمة الوصية.