قال المصنف رحمه الله:(وكل ما صح ثمناً أو أجرة صح مهراً) ، كل ما صح أجره، يعني: عوضاً عن عمل، والأثمان هي قيم السلع، أو هي التي تجعل ثمناً للسلع، وهي الآن تسمى نقوداً، والنقود تختلف باختلاف البلاد، فإذا قال مثلاً: زوجتك على عشرين ألف ريال، وأطلق، فإنه يرجع إلى نقد البلد، فإن كان في السعودية، فعشرون ألف ريال سعودي، وإن كان في قطر فعشرون ألف ريال قطري، وفي اليمن يمني؛ لأن لكل بلد عملتهم، مع أن اسمه ريال، وإذا كان مثلاً في مصر وعقد على عشرين ألف فإنه يكون بنقد البلد، وهو: الجنيه المصري، وإن كان في السودان فالجنيه السوداني، وكذلك إذا عقد على عشرين ألف ليرة، فإن كانوا في سوريا فمن نقدها، وإن كانوا في لبنان فمن نقدها، وإن كانوا في تركيا فليرة تركية، وهكذا، فهذا معنى أن كل بلد لهم نقدهم، فيسمى بالاسم الذي يتعارف عليه.
وكل ما صح ثمناً صح مهراً، وعندنا الآن الأثمان بالريالات، وقد تكون أيضاً بالدولارات الأمريكية، وذلك لشيوعها وكثرة التعامل بها في كثير من الدول، فإذا قال: زوجتك بخمسة آلاف دولار، صح ذلك مهراً، وهكذا.
وكذلك من الأثمان الجنيه، فإذا قال: زوجتك بخمسين جنيهاً وهم في السعودية فالجنيه السعودي وهكذا.
ويصح أيضاً أن يجعل المهر عرضاً، ففي حديث علي لما تزوج فاطمة، قال له النبي صلى الله عليه وسلم:(ادفع لها مهراً، قال: ليس عندي شيء، فقال: أين درعك الحطمية؟ قال: هي عندي، فجعلها مهراً) ، والدرع هي: التي تلبس في الجهاد يتقي بها اللابس وقع السلاح، ولا يلبسها غالباً إلا الرجال، فجعلها مهراً، وكذلك أيضاً لو أصدقها ثوباً أو ثياباً، أو أصدقها عروضاً كأكياس من الأطعمة، أو أدوات من هذه الأواني وما أشبهها، صدق عليه أنه قد أصدقها مهراً، فكل ما صح ثمناً صح مهراً.
وكل ما صح أجرة كذلك، والأجرة هي: التي تؤخذ مقابل عمل، مثلاً: يعمل الإنسان عندك أجيراً، فتعطيه أجرته، فإما أن تعطيه عيناً ونقداً، وإما أن تعطيه عرضاً، فكل ما صح أجرة صح مهراً، فتقول له مثلاً: اشتغل عندي خادماً، وكل شهر أعطيك كبشاً، أي: كل شهر بكبش من الغنم، أو كل أسبوع أجرته ثوب، أو كل شهر أجرته كيس من الأرز أو البر، فكل ما يصلح أن يكون أجرة فيصلح أن يكون مهراً، فيصح أن تمهرها أكياساً من الأرز، أو قطيعاً من الغنم، أو قطعاً من الأقمشة، أو عدداً من الأواني التي تستعمل للشرب أو للطبخ أو للأكل؛ لأنها يصلح أن يكون لها ثمن معين، فيصلح أن تكون مهراً، وقد يصح أيضاً بالحرفة نفسها، فإذا قالت: مهري أن تبني لي هذا البيت، أو مهري أن تحفر لي هذه البئر، أو تركز لي هذا الشجر، أو تسقيه، أو نحو ذلك؛ صح ذلك مهراً، وهو حرفة وعمل، أو أن تطحن لي هذا البر، أو أن تخيط لي هذه الثياب، فيعتبر هذا مهراً؛ لأنه يؤخذ عليه الأجر، والإنسان لا يبني الدار إلا بأجرة، فإذا قيل له: ابنه واجعله صداقاً، أو نزوجك ابنتنا مقابل بنائك لهذا الجدار، أو لهذه الدار، فيصلح أن يكون هذا مهراً.
إذاً: المهر المسمى الأصل أنه عند العقد، ويجب لها مهر المثل إذا لم يسم لها صداقاً، فإذا قال: زوجتك ابنتي، ولم يقل: بصداق كذا وكذا، أو قال مثلاً: نتفق فيما بعد، ثم حصلت الفرقة وهو ما سمى، أو حصلت الوفاة، ففي هذه الحال يجب لها مهر المثل بعقد، يعني: مهر أمثالها التي عُقد عليهن بذلك المهر، كأختها أو شبيهتها من زميلاتها.
وكذلك إذا بطلت التسمية، فلو أصدقها محرّماً فلا يصح، مثلاً: لو أصدقها زقاق خمر، أو أصدقها طبول، أو آلات لهو، أو أصدقها أفلاماً هابطة، أو أشرطة غناء، فهل يصح هذا الصداق؟
الجواب
هذا حرام فلا يصح، وفي هذه الحال يضرب لها مهر أمثالها، أي: من يساويها، فيقال: فلانة التي تساويها في السن، وتساويها في الجمال، وفي النسب، وفي العلم والدراسة، فرض لها كذا، فيفرض لها مثلها.