[معرفة الأجرة]
الشرط الثالث: معرفة الأجرة، أي: تسمية الأجرة؛ وذلك لأنها أحد العوضين، المستأجر يستوفي المنفعة، والمؤجر يستحق الأجرة، فلابد من تسمية الأجرة؛ مخافة أن يكون هناك اختلاف ونزاع يؤدي إلى الضرر؛ لذلك: لابد من تسمية الأجرة.
كثيراً ما تركب سيارات الأجرة، ثم يقع اختلاف إذا لم تُسمِ الأجرة، فيطلب منك -مثلاً- ثلاثين، وتقول: لا تستحق إلا عشرين أو عشرةً، المسافة قليلة، والزمن قليل.
وهكذا أيضاً: قد يحسّن الإنسان الظن إذا استأجر فرشاً كقطع الزلِ، ولا يحدد أجرة، ثم عند المحاسبة يطلبون منه أكثر، ويقولون: كنا نؤجرها بكذا وكذا، كنا نؤجر الأباريق بكذا، ونؤجر القدور بكذا، فيطلبون منه أكثر؛ لذلك يقال: إن تسمية الأجرة في العقد أولى حتى ينقطع النزاع، وحتى لا يحصل الاختلاف.
ويصح في الأجير والظئر بطعامهما وكسوتهما، والأجير: الخادم، فقد يكون هناك بعض الفقراء يعجز أحدهم عن تحصيل لقمة العيش، يعجز أن يجد ما يقوت به نفسه أو يستر به عورته، فيقول: أنا أقنع أن أخدمك بمجرد إطعامي وكسوتي، فيصح استئجار الخادم بطعامه وكسوته، وقد يقال: إن هذا يختلف! فيقال: الاختلاف قليل، فبعض الخدام لا يشبع إلا بثلاثة أرغفة، وبعضهم يكفيه رغيفٌ واحد في كل وجبة، فمثل هذا يتسامح فيه، والعادة أن التفاوت بسبب كثرة العمل، فإذا كان يشتغل شغلاً متواصلاً كثيراً؛ فلا يستنكر منه إذا أكل رغيفين أو ثلاثة أرغفة، أو أكل كثيراً، وإذا كان عمله يسيراً -يعمل وهو جالس، أو يجلس أكثر الوقت- فالغالب أنه لا يأكل كثيراً.
والحاصل: أن هذا يتسامح فيه ولو وقع فيه اختلاف.
وكذلك أيضاً: الكسوة، قد يكون لكثرة مزاولته الأعمال يحتاج إلى كسوة كل شهرين، وبعضهم قد تكفيه كسوة نصف سنة أو سنةً كاملة؛ لذلك يتسامح في ذلك، فيستأجر الخادم بطعامه وكسوته.
وكذلك الظئر: وعرفها في الحاشية بأنها: المرضعة، فإذا استؤجرت على طعامها وكسوتها؛ صح الإيجار، فكثيراً ما تكون المرأة عاجزةً عن إرضاع ولدها، فتستأجر له ظئراً -أي: مرضعةً-، فهذه المرضعة قد تكون فقيرة يعجزها تحصيل القوت، فتقنع بالطعام والكسوة، فتقول: أنا أرضع لكم ولدكم، ولو كان الرضاع يختلف، فالكبير يرضع منها كثيراً، والصغير أقل، ولو كان أيضاً: الطعام يختلف، قد تكون إحدى المرضعات تأكل كثيراً، وبعضهن تشبع بقليل، وهذا أيضاً مما يتسامح فيه.
يقول: (وإن دخل حماماً، أو سفينةً، أو أعطى ثوبه خياطاً أو نحوه؛ صح وله أجرة المثل) لأن هؤلاء عادةً تعرف الأجرة عندهم، والحمامات: هي أماكن تؤجر للاستحمام، وهي توجد في البلاد الباردة، مثل الشام ومصر والعراق، وهي بيوت تحت الأرض فيها حمامات -يعني: مستحمات-، وفيها ماءٌ ساخن، يدخلها الإنسان ويغسل بدنه بذلك الماء الحميم، والأجرة معروفة عندهم، فلا حاجة إلى أن تفرض الأجرة على كل من دخل، وإذا كانت أجرته مثلاً خمسة قد يكتبونها على البوابة، فيكتبون: أجرة الاستحمام خمسة أو عشرة أو عشرين، فلا حاجة إلى إيقاف كل واحد.
وكذلك: إذا ركب سفينةً معتادة التردد من قطر إلى قطر، ومن بلد إلى بلد، تحمل الركاب؛ فهذه أيضاً: قد تكون معروفة الأجرة؛ لأنها تتردد دائماً، فلا حاجةَ إلى أن كل من ركب تفرض عليه الأجرة.
ويلحق بها السيارات والطائرات والباخرات والقطارات، فإنها وسائل نقل حديثة، والمسافة محددة، فمسافة القطار من الرياض إلى الأحساء أو إلى الدمام معروفة، وكل راكب محددة قيمة إركابه، بأنها بكذا وكذا، وكذلك سيارات النقل من الرياض إلى مكة أو إلى جدة أو الطائف معروفة الأجرة عندهم، فلا حاجة إلى أن كل راكب يشارطهم بأجرة كذا وكذا، بخلاف البلاد التي ليست مأهولةً دائماً، فإذا استأجر -مثلاً- من الرياض إلى برية معروفة، وقد يكون الطريق إليها غير مسفلت، فلابد أن يسمي الأجرة، سواءً أجر ركاباً يركبون كل راكب بكذا، أو أجر سيارته لمن يحمل عليها.
وهكذا الثياب، فالأصل أن الخياطين معروفة أجرة الخياطة عندهم، فيقولون: الثوب التام أجرته بكذا، وثوب الطفل أجرته بكذا، والسراويل أجرته بكذا، والقلنسوة أجرتها بكذا -يعني: أجرة الخياطة- وكذلك البنطلون أو الجبة أو ما أشبه ذلك، كل شيء خياطته محددة عندهم، فمثل هؤلاء لا حاجة إلى أن يتعاقد عند كل واحد.
وألحق بالخياط الدلال الذي يدل على السلع، يدلك على من تستأجر منه، أو يدلك على من تبتاع منه، أو تخطب منه خطبة نكاح، هؤلاء يسمون دلالين، وكذا الحمالين الذين يحملون على ظهورهم، وأجرتهم على الكيس كذا وكذا من الدكان إلى السيارة، وما أشبهها، وكذلك الحلاقين: والحلاق غالباً يكتب أجرة الحلاقة بكذا وكذا، حلق الرأس بكذا، وقصه بالماكنة بكذا، وكذلك الصباغ الذين يصبغون الأواني أو يصبغون الثياب، وكذا المطرِّز الذي يصلح القلنسوة فيدقها، ويصلح النقوشات، فهؤلاء يلحقون بالخياط.