للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[وصايا في تقوية الإيمان الزاجر عن المعاصي]

أولاً: على المسلم أن يجدد إيمانه وعقيدته، فيؤمن بأن الله تعالى هو ربه وخالقه، والرب هو المعبود، ويؤمن كذلك بأن الله تعالى تعبده، أي: أمره ونهاه، فأصبح عبداً لله سبحانه وتعالى، والعبد عليه أن يطيع ربه وخالقه.

ثانياً: أن يعلم أن الله حرم هذا وأباح هذا، فيفعل ما هو مباح أو ما هو واجب يتقرب به، ويبتعد عما هو محرم وإثم كبير فيتركه خوفاً من الله.

ثالثاً: ليعلم أنه إذا أطاع الله وفعل ما أمر به فإن الله تعالى يثيبه في دنياه وأخراه، ويعطيه أجراً كبيراً، وأنه إذا عصى الله تعالى ووقع في هذه الآثام فإنه قد توعده بأنه يعاقبه ويعذبه في دنياه وأخراه.

فمن كان معه هذا الإيمان زجره عن المعاصي ولو كانت الدوافع إليها شديدة، وزجره عن الزنا والخنا وما أشبه ذلك ولو كانت متيسرة أسبابه.

فنضرب مثلاً بنبي الله يوسف عليه السلام، كونه شاباً في غاية الشباب، وجميلاً في غاية الجمال، وكونه في بيت سيده الذي ملكه ظلماً، وكون امرأة ذلك السيد من أجمل النساء، وكونها غلقت الأبواب ودعته إلى نفسها، كما قال تعالى: {وَرَاوَدَتْهُ الَّتِي هُوَ فِي بَيْتِهَا عَنْ نَفْسِهِ وَغَلَّقَتْ الأَبْوَابَ وَقَالَتْ هَيْتَ لَكَ} [يوسف:٢٣] ، ولكن ما الذي حجزه مع الدافع القوي؟ حجزه برهان ربه، حجزه الإيمان، حجزه إيمانه وخوفه من الله {إِنَّهُ رَبِّي أَحْسَنَ مَثْوَايَ} [يوسف:٢٣] اعترف بأن الله تعالى هو ربه، وأنه أحسن مثواه، وأنه توعد على ذلك بالعقوبة، فلاشك أن هذا أثر الإيمان القوي، يكون زاجراً لمن كان معه هذا الإيمان القوي.

لذلك ذكر ابن رجب أن رجلاً خلا بامرأة في ليلة وراودها عن نفسها وقال: ما يرانا إلا الكواكب.

قالت: فأين مكوكبها؟ فذكرته أن الله تعالى هو يراهما، وهو الذي كوكبها، أي: خلقها وسيرها، لا تخفى عليه خافية: {الَّذِي يَرَاكَ حِينَ تَقُومُ * وَتَقَلُّبَكَ فِي السَّاجِدِينَ} [الشعراء:٢١٨-٢١٩] .

وأن آخر خلا بامرأة في منزل وهم بها، فأظهرت له المطاوعة، وقال لها: أغلقي الأبواب.

فقال بعد ذلك: هل أغلقت جميع الأبواب؟ قالت: بقي باب واحد، الذي بيننا وبين الله.

فارتعد وخاف وخرج.

وكذلك وردت قصة في الصحيحين قصة الثلاثة الذين انطبقت عليهم الصخرة، فأحدهم توسل بعفته، أنه كانت له ابنة عم يحبها حباً شديداً كأشد ما يحب الرجال النساء، وأنه أرادها على نفسها فامتنعت، حتى ألمت بها في سنة من السنين حاجة شديدة، فجاءت إليه تقترض منه أو تستجدي، فامتنع حتى تمكنه من نفسها ويبذل لها مائة دينار، يقول: فلما قعدت بين رجليها قالت: يا عبد الله! اتق الله ولا تفض الخاتم إلا بحقه.

فقام عنها خوفاً من الله وترك المال الذي أعطاها.

فهؤلاء الذين يقعون في فواحش الزنا واللواط ومقدمات ذلك ليس معهم إيمان يزجرهم، ولكن لديهم نفوس ضعيفة وشهوات ضعيفة تدفعهم إلى فعل هذه الفواحش، فلو لم يكن هناك عقوبات جلد ورجم وتغريب وحبس ونحو ذلك لانتشر هؤلاء وانتشرت الفواحش، وإذا انتشرت فماذا تكون الحالة؟ لا شك أنها تحصل المنكرات، وأن الله تعالى ينزل عليهم العقوبات والأمراض التي لم تكن في أسلافهم من قبل، كما ورد ذلك في بعض الأحاديث: (ما فشت الفاحشة في قوم حتى يعلنوا بها إلا فشت فيهم الأوجاع التي لم تكن في أسلافهم) ، فهذا هو الواقع، لذلك ذكر العلماء هذه الحدود والعقوبات.