للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[الترغيب في النكاح]

جاء الترغيب في النكاح، وورد الحث عليه، قال الله تعالى: {فَانكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ مَثْنَى وَثُلاثَ وَرُبَاعَ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تَعْدِلُوا فَوَاحِدَةً أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ} [النساء:٣] والخطاب للرجال، والمعنى: انكحوا -أيها الرجال! - ما طاب لكم من النساء، وفي آية أخرى قال سبحانه: {وَأَنكِحُوا الأَيَامَى مِنْكُمْ وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ وَإِمَائِكُمْ} [النور:٣٢] الأيامى: جمع أيم، وهي: المرأة غير المزوجة، أي: أنكحوها، ولا تبقوها دائماً أيماً، وهذا حث على النكاح.

ثم ورد في السنة قول النبي صلى الله عليه وسلم: (يا معشر الشباب! من استطاع منكم الباءة فليتزوج؛ فإنه أغض للبصر، وأحصن للفرج) فخاطب الشباب؛ وذلك لأنهم غالباً عندهم قوة الغلمة والشباب، ولأنهم غالباً لا يحجزهم قوة إيمان عن الوقوع في المحرم، فإذا تزوجوا حصلت لهم هذه المصلحة المذكورة: (أغض للبصر، وأحصن للفرج) .

وقد وردت الأدلة في النهي عن التبتل، كما في حديث سعد في الصحيح أنه قال: (رد النبي صلى الله عليه وسلم على ابن مظعون التبتل، ولو أذن له لاختصينا) ، فـ عثمان بن مظعون اشتهر بأنه أراد الزهد في الدنيا، والانقطاع للعبادة، وترك زوجته، وكان يقال لها: الحولاء، وبقي هاجراً لها مدة، فجاءت مرة عند النساء وإذا هي متبذلة في ثياب دنسة، وشعر شعث، فأنكرن ذلك، فأخبرت بأن زوجها لا رغبة له فيها، ولا رغبة له في الدنيا، وأنه دائماً إما في صلاة وإما في صوم، فلما علم بذلك النبي صلى الله عليه وسلم أنكر عليه، وأخبره بأن هذا الانقطاع لا يجوز، وأخبره بما يجب عليه نحو زوجته، ونحو نفسه، فعند ذلك تراجع، وباشر زوجته، وأعطى نفسه شهوتها، ورد عليه هذا التبتل، يقول سعد: لو أذن له بالتبتل والانقطاع لتبتلنا، ولا نستطيع أن نصبر عن النساء إلا إذا اختصينا، يعني: قطعنا أسباب الشهوة، فكان هذا دليلاً على أنه صلى الله عليه وسلم أراد من أمته أن يأتوا ما أباح الله، وألا يتبتلوا، وألا يتركوا ما أحل الله تعالى لهم من الشهوة المباحة، بل رغبهم في ذلك.

ومن الأحاديث التي تحث على ذلك، وتنهى عن ضده: (أن ثلاثة سألوا عن عبادة النبي صلى الله عليه وسلم في السر فتقالوها، فقال بعضهم: أنا أصوم دائماً، وقال بعضهم: أنا أقوم دائماً، وقال الآخر: أنا لا أتزوج النساء؛ فرد عليهم النبي صلى الله عليه وسلم وقال: لكني أصوم وأفطر، وأقوم وأنام، وأتزوج النساء؛ فمن رغب عن سنتي فليس مني) ، وهذا وعيد، فالذي يترك الزواج تقشفاً يُعتبر راغباً عن سنة النبي صلى الله عليه وسلم، وكأنه يفضل فعله على فعل النبي صلى الله عليه وسلم.

وكذلك أيضاً ثبت قوله صلى الله عليه وسلم: (ثلاثة حق على الله عونهم -وذكر منهم- المتزوج يريد العفاف) ، فإذا تزوج الإنسان يريد أن يعف نفسه عن الحرام، فإن حقاً على الله تعالى -يعني: مما جعله على نفسه- أن يعينه، وأن يسدده، وأن يخفف عنه ما قد يتحمله، وهذا مشاهد، ونعرف كثيراً من الذين كانوا فقراء لما تزوجوا أغناهم الله تعالى؛ ولذلك قال الله تعالى: {وَأَنكِحُوا الأَيَامَى مِنْكُمْ وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ وَإِمَائِكُمْ إِنْ يَكُونُوا فُقَرَاءَ يُغْنِهِمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ} [النور:٣٢] أي: إذا كانوا فقراء فتزوجوا للتعفف فتح الله عليهم، ورزقهم ووسع عليهم، وكذلك جاء في الحديث المشهور: (إذا جاءكم من ترضون دينه وأمانته فزوجوه، إلا تفعلوا تكن فتنة في الأرض وفساد كبير) ، فما ذكر إلا: (ترضون دينه وأمانته) ؛ وذلك لأنه إذا أخذ الزوجة فهو مأمون عليها؛ ولذلك جاء في الحديث قوله صلى الله عليه وسلم: (استوصوا بالنساء خيراً؛ فإنكم أخذتموهن بأمانة الله، واستحللتم فروجهن بكلمة الله) إلى آخره، فهن أمانة، فإذا كان المتقدم أميناً موثوقاً ديناً فإنه لا يرد، إلا إذا كان هناك أسباب أخرى.