السراية جناية تضمن، والجناية ظلم، فسرايتها تضمن، وأما القود فإنه بحق فلا تضمن سرايته، فمثلاً لو أن إنساناً قطع يد رجل، فالذي قطعت يده قال: هذا جنى علي وقطع يدي، أريد القود.
فمكن من القود فقطعت يد الجاني، ثم قدر أن الجاني تسمم جرحه ومات بسبب هذا القصاص هل تدفع ديته؟ لا تدفع؛ لأن قطع يده بحق قصاصاً، ولو كان الأمر بالعكس فالمجني عليه تسممت يده ثم مات، والمجني عليه حر مسلم، ومات بسبب هذه الجناية فعلى الجاني الدية، ولو قال الجاني: كيف أدفع ديته وهو قد قطع يدي قصاصاً وقد أخذ بالثأر وأخذ حقه كاملاً؟ ف
الجواب
إنه مات بسبب جنايتك، فأنت السبب، فعليك تتمة الدية، وليس هناك قصاص في النفس، ولكن عليه تتمة الدية، فعليه نصف الدية لأنه قد قطع يده، وديته فيها نصف الدية، فعليه نصف الدية الأخرى أو على عاقلته.
وعرفنا الفرق بين الجناية والقود، والسراية: هي تآكل الجرح إلى أن يحصل أكثر مما حصل، فلو أن الجاني قطع إصبعاً كالخنصر أو الإبهام، والمجني عليه قال: أقطع إصبعه مثلما قطع إصبعي.
فاقتص منه، وبعد ذلك جرح الجناية تسمم، ولما تسمم تآكلت اليد فقطعت اليد كلها بسبب تآكلها، فيقول الجاني: أنتم أخذتم حقكم، أنتم قطعتم إصبعي مثل ما قطعت إصبعه! فيقال: بقي أيضاً عليك آثار هذه السراية، فجنايتك تآكلت، فعليك بقية ثمن اليد، فادفع بقية ثمن اليد.
ولو قال المجني عليه: إن يدي تآكلت وقطعت بسبب جنايته، وأنا ما قطعت منه إلا إصبعاً، فأريد أن أقطع اليد كلها كما أن يدي قطعت فليس له إلا الدية على المشهور، وذلك لأن قطع يده بالتآكل قطع لحماية نفسه، وليس الجاني هو الذي قطعها، أما لو كان الأمر بالعكس، فالمجني عليه قطعت إصبعه وسلمت يده، والجاني قطعت إصبعه قصاصاً، ولما قطعت تآكل الجرح فمات.
ففي الأثر:(الحق قَتَلَه) ، ما مات إلا بسبب مباح، فالله تعالى مكن أهل القتيل وأباح لهم أن يقتلوا أو يقتصوا، وهاهنا قد اقتصوا الذي لهم، وكون هذه القود حصل منه الموت ليس بسبب المجني عليه، وإنما هو بسبب القصاص، فالحق قتله، سواءٌ أكان هذا في النفس أم فيما دون النفس، فهذا هو الفرق.