[اشتراط خطبتي الجمعة وذكر شروطهما]
الشرط الثالث: تقديم خطبتين، أي: لابد يوم الجمعة من خطبتين، وفي هذا دليل على أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يطيل في خطبته، فمن طولها فإنه يفصل بينهما بجلسة، يخطب فإذا تعب جلس ثم استأنف وخطب، فهو دليل على أنه كان يطيل الخطبة، فيمكن أن الخطبة تستغرق ساعة أو على الأقل نصف ساعة لكل واحدة من الخطبتين.
ولو كان لا يطيل وكانت خطبته عشر دقائق أو عشرين دقيقة لما احتاج إلى الجلسة بين الخطبتين، ولما احتاج إلى هذا الفاصل، وهو الجلوس، وكان في إمكانه أن يواصل خطبته نصف ساعة أو ثلثي ساعة ثم ينزل ويصلي، فلما فصل بينهما دل على أنه كان يطيل، فلا ينكر على من أطال الخطبة بقدر نصف ساعة أو نحوها.
وأما الحديث الذي فيه: (إن طول صلاة الرجل وقصر خطبته مئنة من فقهه) فإن الطول والقصر نسبي، فيقال مثلاً لمن خطبته أربعون دقيقة: هذه خطبة قصيرة، ويقال لمن خطبته ساعتان مثلاً أو ساعة ونصف: هذه طويلة، فقصر خطبته يعني: أن طول صلاة الرجل وقصر خطبته بحيث يخطب مثلاً نصف ساعة ولا تكون خطبته أكثر من ساعة هذه هي الخطبة القصيرة.
قوله: (مئنة) يعني: علامة من فقهه.
للخطبتين شروط: قيل إنها تشترط في مجموعهما، وقيل: في كل واحدة من الخطبتين.
الشرط الأول: الوقت، فلا يخطب قبل دخول الوقت، سواء قلنا: إن الوقت يدخل بدخول وقت صلاة العيد، أو بدخول وقت صلاة الظهر، لابد أن تكون الخطبتان بعد الوقت.
الشرط الثاني: حمد الله، لابد أن يبدأ الخطبة بالحمد لله؛ لأن هذا هو المعتاد من النبي صلى الله عليه وسلم.
الشرط الثالث: الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم، وذلك لما أُثر من أنه صلى الله عليه وسلم ذكر أن الدعاء موقوف حتى يصلى عليه، ولعموم الآية وهي قوله تعالى: {صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً} [الأحزاب:٥٦] ، ولما ورد من أنهم قالوا: (كيف نصلي عليك؟ قال: قولوا: اللهم صل على محمد وعلى آل محمد) إلخ.
وردت أحاديث كثيرة في فضل الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم يوم الجمعة، منها قوله صلى الله عليه وسلم: (إن من أفضل أيامكم يوم الجمعة، فأكثروا من الصلاة عليّ فيه؛ فإن صلاتكم معروضة علي، قالوا: يا رسول الله؟ كيف تعرض عليك وقد أرمت؟ -يقول: بليت- فقال: إن الله حرم على الأرض أن تأكل أجساد الأنبياء) ، فهذا يؤكد أن يوم الجمعة أحق أن تكثر فيه الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم، ففي الخطبة أولى.
الشرط الرابع: قراءة آية من القرآن، فقد ثبت أنه صلى الله عليه وسلم كان يقرأ آيات في خطبته، وربما قرأ سورة، فثبت أنه كان يقرأ سورة (ق) كاملة في خطبته، فأقل شيء آية، ولكن لابد أن تكون الآية طويلة، يعني: لها فائدة ولها عمل، فلا يجزئ آية تتكون من كلمة أو من كلمتين، ويستحب أن تكون الآية في الموضوع الذي يتطرق إليه في أثناء الخطبة، فإذا خطب عن التقوى قرأ آية تتعلق بالأمر بالتقوى، وإذا خطب عن الصلاة قرأ آية تتعلق بذكر الصلاة، وهكذا في كل المواضيع.
الشرط الخامس: حضور العدد المعتبر الذي هو الأربعون على قول الفقهاء، فلابد أن يحضر الأربعون فيها من أول الخطبة إلى آخرها.
الشرط السادس: رفع الصوت بقدر إسماعه، فالخطيب لابد أن يكون صيتاً بحيث يسمع المصلين، وبعد وجود المكبر لا يلزمه رفع الصوت؛ لأن المكبر يرفع الصوت ويدفعه.
الشرط السابع: النية، لابد أن ينوي لهذه الخطبة أنها الخطبة المشترطة، التي هي وظيفة هذه الصلاة.
الشرط الثامن: الوصية بتقوى الله، ولا يتعين لفظها، ولا يتعين أن يقول: اتقوا الله، ولكن يوصيهم بشيء يحرك القلوب، فيوصيهم بالخوف من الله، أو تقوى الله، أو عبادته، أو رجائه، أو التوكل عليه، أو دعائه، ويبسط القول في ذلك حتى يكون للخطبة معنى، يتوسع في ذكر الأدلة التي تتعلق بالموضوع الذي اختاره.
الشرط التاسع: (أن تكون ممن يصح أن يؤم فيها) وفي بعض النسخ: (أن يؤم فيما) ، والصواب: (أن يؤم فيها) أي: أن تكون من الخطيب الذي يصح أن يكون إماماً فيها، أي: في هذه الصلاة، وهو الذكر الحر العاقل البالغ، فلا تصح من غيره.
والإقامة ليست شرطاً على الصحيح، فيجوز أن يصلي بهم المسافر إذا كان أفضل منهم.
قوله: (ممن يصح أن يؤم فيها، لا ممن يتولى الصلاة) ، معناه: أنه يصح أن يتولى الخطبة واحد ويتولى الصلاة غيره، فإن الصلاة عبادة والخطبة عبادة أيضاً فلا يلزم أن يتولاهما واحد، ولكن لابد أن يتولى كلاً منهما من هو أهل ممن تنطبق عليه هذه الصلاة.