للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[تحلل من ساق الهدي]

إذا كان مع المتمتع هدي فإنه يدخل الحج على العمرة، ويبقى على إحرامه حتى يتحلل منهما معاً؛ لأن الهدي يمنعه من التحلل؛ وذلك لأنه صلى الله عليه وسلم قدم مكة هو وأصحابه، وكان بعضهم معه هدي مثل أكابر الصحابة كـ أبي بكر وعمر وعثمان وطلحة وأبي طلحة وغيرهم من أثرياء الصحابة، بعضهم كان معه خمسون بدنة، وبعضهم خمس، وبعضهم عشر، وبعضهم كان معهم غنم قد قلدوها، وأكثرهم ليس معهم هدي، فلما قدم الذين معهم هدي منعهم هديهم من التحلل، والذين ليس معهم هدي أمرهم النبي صلى الله عليه وسلم بالتحلل مع أنهم أحرموا مفردين، فقال لهم: (اجعلوا إحرامكم عمرة) وسمي هذا الفسخ فسخ الحج إلى العمرة، فأمرهم أن يطوفوا ويسعوا ويتحللوا في اليوم الرابع من شهر ذي الحجة، فبقوا متحللين: اليوم الرابع والخامس والسادس والسابع، وأول اليوم الثامن أحرموا بالحج، ثم توجهوا إلى منى كما سيأتي.

والذين معهم هدي لم يتحللوا إما لأنهم أحرموا قارنين بالحج والعمرة، أو لأنهم أحرموا بالعمرة ثم منعهم الهدي من التحلل فأدخلوا عليها الحج، أو أنهم أحرموا مفردين وبقوا على إفرادهم، ويكون هذا الهدي هدي تطوع؛ لأن المفرد ليس عليه فدية.

والحاصل أن الذي معه هدي لا يتحلل، بل يبقى على إحرامه، لكن يمكن إذا قدم مبكراً أن ينحر هديه؛ لأنه يجوز سوق الهدي في غير الحج، فلو اعتمر -مثلاً- في رمضان وساق معه هدياً بدنة أو بدنتين أو عشراً أو غنماً أو بقراً، فإنه إذا انتهى من عمرته ذبحها وتصدق بلحمها وأكل منه وأطعم، لقوله تعالى: {وَالْبُدْنَ جَعَلْنَاهَا لَكُمْ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ لَكُمْ فِيهَا خَيْرٌ فَاذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهَا صَوَافَّ فَإِذَا وَجَبَتْ جُنُوبُهَا فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْقَانِعَ وَالْمُعْتَرَّ} [الحج:٣٦] .

فالحاصل أن الذي لا هدي معه يتحلل بعد سعي العمرة، والذي معه هدي يبقى على إحرامه إلا إذا قدم مبكراً، فلو قدر أن إنساناً جاء إلى مكة في شهر شوال ومعه هدي: خمس من الإبل أو من البقر، أو عشر من الغنم أو عشرون وقد جعل في رقابها قلائد على أنه أهداها إلى الله تعالى، فإذا طاف وسعى للعمرة هل نلزمه بأن يبقى محرماً من شهر شوال إلى شهر ذي الحجة؟ قد يكون في هذا مشقة، فنقول له: انحر هديك، وتحلل تحلل عمرة، فإن هديك قد بلغ محله، فيكون قوله تعالى: {وَلا تَحْلِقُوا رُءُوسَكُمْ حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ} [البقرة:١٩٦] أي: الوقت الذي يحل فيه ذبحه، وهو إن كان في أيام الحج يوم النحر، وإن كان في العمرة فبعد الفراغ منها، والذي يعتمر -مثلاً- في شهر شوال قد ينحر هديه مثلاً، ثم يرجع إلى أهله ثم يأتي للحج في أيام الحج.

والمتمتع يقطع التلبية إذا بدأ بالطواف، والحاج يقطع التلبية إذا أخذ في الرمي؛ وذلك لأنه شرع في أسباب التحلل، والتلبية علامة على الإحرام، فشروعه في أسباب التحلل يكون سبباً في التوقف عنها، والله أعلم.