[لا يصح للوكيل أن يبيع على نفسه أو أقاربه أو يشتري لهم]
قال المصنف رحمه الله: (ولا يصح بلا إذن بيع وكيل لنفسه، ولا شراؤه منها لموكله، وولده ووالده ومكاتبه كنفسه) صورة ذلك إذا قال: وكلتك أن تبيع هذه الدار أو هذه السيارة أو هذا الكيس أو هذه الشاة.
ومعنى ذلك: أنك تدخل بها السوق، وتنظر من يشتري هذه الشاة أو هذا البعير أو هذا الكيس، فهل تقول: أنا أولى به وسأشتريه لنفسي؟ لا يجوز؛ لأنك متهم بالتساهل، فقد يقال: اشتراه لنفسه برخص، ولو أنه دخل به السوق أو صبر عليه لباعه بأكثر.
وهكذا إذا بعته على ولدك أو على والدك أو على مكاتبك؛ لأن المكاتب الذي اشترى نفسه من سيده بثمن مؤجل، لا يزال عبداً ما بقي عليه درهم، فلا يصح للوكيل أن يشتري الشاة لنفسه، بل يبيعها لغيره، وإذا وكلك أن تبيع هذه السيارة فلا تبعها على نفسك أو ما أشبه ذلك مخافة التهمة.
وهكذا الشراء لا يجوز أيضاً، فإذا قال: وكلتك أن تشتري لي كيس بر أو أرز فلا تقل: عندي أكياس وسأشتري له من نفسي إلا إذا كان هناك دلالة تدل على الإذن أو قرينة بأن قال مثلاً: بعني من نفسك أو بصفتك تاجراً فبعني كيساً أو ثوباً أو شاة من غنمك.
فمثل هذا يعتبر قرينة، فأما إذا سكت وقال: اشتر لي كيس تمر أو سيارة صفتها كذا وكذا، أو اشتر لي ثوباً أو شاةً، فلا تشتر ذلك من نفسك ولا من أبيك ولا من أبنك ولا من مكاتبك؛ لأنك قد تزيد في الثمن، فقد يكون الكيس مثلاً بمائة، فتحسبه عليه بمائة وخمسة، أو نحو ذلك، فيدخله الشك.
فالحاصل أن الوكيل لا يشتري من نفسه، ولا يبيع على نفسه، وولده مثله، وأبوه مثله، ومكاتبه مثله.
يقول هنا: (وإن باع بدون ثمن مثلٍ أو اشترى بأكثر منه صح وضمن زيادةً أو نقصاً) صورة ذلك: إذا قال مثلاً: بع هذه الشاة في السوق، فتساهلت وبعتها مثلاً بمائتين، ومثلها يساوي مائتين وخمسين لو صبرت، لكنك بعتها في أدنى السوق، أو بعتها لأول من سامها، فالبيع صحيح، ولكن تضمن النقص؛ لأنها تساوي مائتين وخمسين وأنت بعتها بمائتين.
وكذلك إذا وكلك أن تشتري له شاة، والغنم التي تماثلها تساوي مائتين، ولكنك اشتريت من أدناهم وبدون مراجعة بمائتين وخمسين، فهذا دليل على أنك تريد الحظ لذلك البائع، أو أنك متساهل، فعليك أن تدفع هذه الزيادة، فيقول لك: الناس يشترون بمائتين، فأنا لا أدفع إلا مائتين، والخمسون الزائدة تكون عليك؛ لأنك تساهلت.
وهذا يفيد أن الوكيل عليه أن يجتهد في النصح لموكله سواءً كان بأجرة أو بدون أجرة، ومعلوم أنه إذا قال لك: بع الشاة ولك اثنين في المائة من ثمنها، فإنك سوف تحرص على أن تزيد في الثمن حتى تبيعها بأربعمائة مثلاً، فتكون أجرتك ثمانية مثلاً، وإذا بعتها بثلاثمائة مثلاً فلا يحصل لك إلا ستة.
وهكذا إذا قال: وكلتك أن تشتري لي شاة، ولك أجرةٌ عشرة ريال أو نحو ذلك، فإنك مأمور أن تنصح له، وأن تجتهد في شراء الرخيص، وألا تشتري بثمن مرتفع حتى لا تضره؛ لأنك وكيل وأمين.
فالحاصل أن الوكيل إذا تساهل واشترى غالياً صح الشراء وضمن الزيادة، وإن تساهل وباع رخيصاً صح البيع وضمن النقص.