[من يصح إقراره]
قال: (يصح إقرار من مكلف مختار بلفظ أو كتابة أو إشارة من أخرس) : الإقرار هو الاعتراف، لابد أن يكون المقر مكلفاً، المكلف هو البالغ العاقل، فلا يقبل إقرار الصبي واعترافه؛ لأنه غير مكلف، ولا إقرار المجنون؛ لأنه فاقد للعقل فلا يقبل إقراره، وكذلك لا يعمل بإقرار المكره، فإذا أكره وقيل: اعترف وإلا ضربناك، في هذه الحال إذا اعترف فإنه لا يلزم بهذا الاعتراف؛ ولذلك إذا أنكر بعد ذلك فإنه لا يقام عليه حد أو نحو ذلك، لكن إذا ثبت أن إقراره بدون إكراه فلا يقبل رجوعه.
وكثير من المتهمين يقبض عليهم الجنود، ويدخلونهم السجن، وقد يضربونهم ثم يعترف أحدهم بأنه القاتل، أو بأنه السارق، أو بأنه القاطع، أو بأنه المتهم بكذا والفاعل كذا، ثم إذا حضر عند القاضي وقد وقع عند الشرطة أنكر، فالقاضي لا يؤاخذه؛ لأنه يقول: إنني ما أقررت إلا تحت الجلد، ما أقررت إلا بعدما ضربوني وآلموني ألماً شديداً، فلم أستطع أن أتحمل فاعترفت للتخلص من ضربهم، فإن كان صادقاً فإنه لا يقبل اعترافه ولا يؤاخذ به، إلا إذا ذكر الشرط أنه اعترف باختياره ثم جاء من لقنه وقال له: أنكر حتى لا تؤاخذ، فأنكر عند القاضي، وقد كان اعترف طائعاً مختاراً، فلا يقبل إنكاره.
والإقرار يكون بالكلام، أي: بالتلفظ، يقول: أقر وأعترف بأن عندي لزيد ديناً أو ألفاً، أو أقر وأعترف بأني بعته بيتي بكذا وكذا، أو أقر وأعترف بأني الذي قطعت يده أو قتلت ابنه، أو الذي قلعت شجرته.
أو بكتابة، فإذا كتب على نفسه بخط يده، وكان هناك من يشهد أن هذا خط يده وتوقيعه، فإن ذلك يقبل منه.
وكذلك إذا كان أخرس لا يتكلم، ولكن إشاراته مفهومه، يشير بيده كذا وكذا فيفهمه الحاضرون، فإذا اعترف على نفسه فإنه يؤخذ على إقراره.
وأما إذا شهد على غيره وأقر على غيره فإنه لا يقبل، وكل أحد إذا أقر على غيره لا يقبل إقراره إلا الوكيل والولي والوارث.
فالإنسان الذي يقر على نفسه يقول: عندي دين، أما أن يقول: عند أخي أو عند أبي فهذه شهادة، ولا تكون إقراراً، لكن تقبل من الوكيل إذا قال: أنا وكيل لهؤلاء الأيتام، أقر بأني بعت ملكهم بكذا، بعت عقارهم أو بعت غنمهم بكذا؛ لأني موكل من قبل القاضي، فيقبل إقراره.
وكذلك ولي المرأة في النكاح إذا اعترف وقال: أقر بأني قد عقدت لها؛ لأني ولي أمرها، أنا أخوها، أو ابن أخيها وقد رضيت وعقدت لها.
وكذلك الوارث: إذا مات إنسان وخلف ورثة، واعترفوا وقالوا: نقر ونعترف بأن مورثنا مدين بكذا، عنده لفلان مائة أو ألف، أو أنه الذي وهب كذا، أو وقف كذا، أو ما أشبه ذلك، فيقبل إقرار الورثة.
هل يصح إقرار المريض؟ يصح ولو كان مريضاً مرض الموت، فيصح إقراره على نفسه، لكن لا يصح إقراره لوارث إلا ببينة أو إجازة؛ وذلك لأنه متهم بإضرار الورثة، فإذا اعترف عند الموت وقال: أعترف بأن بيتي هذا لزوجتي، ويريد بذلك أن يضر زوجته الثانية، أو يضر أولاده الآخرين؛ فلا يقبل إقراره، أو قال: أعترف بأني قد وهبت ابني الأرضية الفلانية أو السيارة الفلانية وأنكر ذلك بقية أولاده فلا يقبل؛ لأنه متهم بإضرارهم، والوالد عليه أن يسوي بين أولاده، فإذا أقر لوارث فلا يصح إلا ببينة أو إجازة.
البينة أن يقول شاهدان: نشهد أنه قد أقر عندنا قبل المرض بأن البيت الفلاني ليس له، وإنما هو لزوجته أو لولده الأكبر أو ما أشبه ذلك.
وكذلك إجازة الهبة أو الوقف أو نحو ذلك، إذا قال في مرض موته: قد أجزت عطيتي لفلان، أو هو وقف لكذا وكذا، أو أجزت لفلان أن يسكن في البيت كذا وكذا، لأنه كان قد طلبني وتوقفت، ولكن الآن قد أجزت، فلا تقبل للوارث حتى لو صار عند الموت أجنبياً، مثلاً: أقر به له لأنه عمه، وقبل الموت ولد له ولد فحجب العم، وأصبح العم أجنبياً، وتصح له الوصية ولكن العبرة أنه في حالة الوصية كان متهماً.
ويصح الإقرار لأجنبي ولو صار عند الموت وارثاً، وصورة ذلك أن يقول: أقر على نفسي أن ابن عمي فلاناً يطالبني بألف أو عندي له خمسة آلاف، أو أنه أعارني البيت الفلاني، وليس بملك لي، ففي مثل هذه الحال يقبل؛ لأنه في حالة الإقرار ليس بمتهم، وليس بوارث، ولا يريد أن يورثه، لكن لو قدر أن ابن عمه هذا أصبح وارثاً له؛ بأن مات ابنه الذي كان حاجباً له، وورث ابن العم، فيقبل إقراره ولو كان عند الموت وارثاً.