[مراحل تحريم الخمر]
قال رحمه الله تعالى: [فصل: وكل شراب مسكر يحرم مطلقاً، إلا لدفع لقمة غص بها مع خوف تلف، ويقدم عليه بول.
فإذا شربه أو احتقن به مسلم مكلف مختاراً عالماً أن كثيره يسكر حد حر ثمانين وقن نصفها.
ويثبت بإقراره مرةً كقذف، أو شهادة عدلين.
وحرم عصير ونحوه إذا غلى أو أتى عليه ثلاثة أيام.
فصل: ويقطع السارق بثمانية شروط: السرقة، وهي أخذ مال معصوم خفيةً، وكون سارق مكلفاً مختاراً عالماً بمسروق وتحريمه، وكون مسروق مالاً محترماً، وكونه نصاباً وهو ثلاثة دراهم فضةً أو ربع مثقال ذهباً أو ما قيمة أحدهما، وإخراجه من حرز مثله، وحرز كل مال ما حفظ به عادةً، وانتفاء الشبهه، وثبوتها بشهادة عدلين يصفانها، أو إقرار مرتين مع وصف ودوام عليه، ومطالبة مسروق منه، أو وكيله أو وليه.
فإذا وجب قطعت يده اليمنى من مفصل كفه وحسمت، فإن عاد قطعت رجله اليسرى من مفصل كعبه وحسمت، فإن عاد حبس حتى يتوب.
ومن سرق تمراً أو ماشيةً من غير حرز غرم قيمته مرتين ولا قطع، ومن لم يجد ما يشتريه أو يشتري به زمن مجاعة غلاء لم يقطع بسرقة.
فصل: وقطاع الطريق أنواع: فمن منهم قتل مكافئاً أو غيره كولد وأخذ المال قتل ثم صلب مكافئ حتى يشتهر.
ومن قتل فقط قتل حتماً ولا صلب.
ومن أخذ المال فقط قطعت يده اليمنى، ثم رجله اليسرى في مقام واحد، وحسمتا وخلي.
وإن أخاف السبيل فقط نفي وشرد، وشرط ثبوت ذلك ببينة أو إقرار مرتين، وحرز ونصاب.
ومن تاب منهم قبل القدرة عليه سقط عنه حق الله تعالى وأخذ بحق آدمي.
ومن وجب عليه حد لله فتاب قبل ثبوته سقط.
ومن أريد ماله أو نفسه أو حرمته ولم يندفع المريد إلا بالقتل أبيح ولا ضمان.
والبغاة ذوو شوكة يخرجون على الإمام بتأويل سائغ فيلزمه مراسلتهم وإزالة ما يدعونه من شبهة ومظلمة، فإن فاءوا وإلا قاتلهم قادر] .
من جملة الحدود حد الخمر، أي: حد شرب المسكر.
والخمر هي كل ما أسكر، والإسكار هو إزالة العقل بالذي إذا شربه يزول معرفته ويهذي في كلامه، ولا يعرف ما يقول فيتصرف تصرفاً سيئاً، فحرم هذا لأنه يزيل العقل، ويلحق الذي يتعاطاه بالمجانين أو أقل حالة من البهائم.
وكانت الخمر مشهوراً شربها عند العرب قبل الإسلام، بل قد يفتخرون بها، كما في قول حسان في جاهليته: ونشربها فتتركنا ملوكاً وأسداً لا ينهنهنا اللقاء فلما جاء الإسلام لم تحرم دفعة واحدة؛ لأنهم منهمكون فيها، بل حرمت على مراتب، حرمت على مرات شيئاً فشيئاً، فأول ما نزل فيها قول الله تعالى: {يَسْأَلُونَكَ عَنْ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ قُلْ فِيهِمَا إِثْمٌ كَبِيرٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَإِثْمُهُمَا أَكْبَرُ مِنْ نَفْعِهِمَا} [البقرة:٢١٩] ، قال العلماء أو بعضهم: إن هذه الآية هي التي حرمت بها الخمر؛ لأنه ذكر أن فيها إثماً كبيراً، وإثمها أكبر من نفعها، فيدل على أنها محرمة، والله تعالى قد حرم الإثم في قوله تعالى في سورة الأعراف وهي مكية: {قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّي الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالإِثْمَ} [الأعراف:٣٣] ، فتكون هذه الآية دالة على تحريمها.
ولكن لم يحرمها الناس لهذه الآية، حيث ذكر أن فيها منافع للناس، إما في التجارة فيها، وإما بالتلذذ بشربها، ولما نزلت تاب كثير وتركوها، وقدر بعد ذلك أن قوماً شربوها من الصحابة، وحصل منهم قتال حتى ضرب بعضهم صاحبه بلحي جمل وشجه، وصلى بعضهم وقرأ في الصلاة: (قل يا أيها الكافرون، أعبد ما تعبدون، أنتم تعبدون ما أعبد) وخلط في قراءته، عند ذلك نزلت آية في سورة النساء: {لا تَقْرَبُوا الصَّلاةَ وَأَنْتُمْ سُكَارَى حَتَّى تَعْلَمُوا مَا تَقُولُونَ} [النساء:٤٣] ، نهاهم أن يصلوا في حالة السكر، وذلك لما يترتب على الصلاة في حالة السكر من الهذيان ومن الكلام السيء، فتاب ناس وتركوها تركاً كلياً، وبقي آخرون يشربونها في الأوقات الطويلة، يشربها بعد الفجر فيصحو قبل أن يدخل وقت الظهر، ويشربها بعد العشاء فيصحو قبل دخول وقت الفجر.