[الدعوى على الغائب]
من ادعى على غائب هل تسمع بينته؟ يقولون: تسمع إذا كان الغائب بعيداً في مسافة قصر يعني: لا يأتي إلا بعد يومين، أو بعد أربعة أيام يومين ذهاباً ويومين إياباً، مثل إنسان قال: أدعي على زيد، وزيد يقيم مثلاً في القصيم، وفي ذلك الوقت هذه المسافة لا تقطع إلا في أربعة أيام، أو خمسة أيام، ففي هذه الحال يقول: عندي شهود يشهدون أنه هو الذي ضربني، أو هو الذي عنده أمانه وجحدها، وعندي شهود.
فالقاضي يأخذ الشهود ويكتب شهادتهم؛ لأن صاحب الحق قد يقول: إذا لم تقبل شهادتهم وتكتبها الآن فسوف يذهبون؛ لأنهم ليسوا من البلد فاغتنم القاضي حضورهم ليكتب شهادتهم.
وإذا حضر الخصم بعد ذلك سأله: هل أنت معترف أو منكر؟ إذا كنت منكراً فهنا شاهدان وهما فلان وفلان، هل تطعن فيهما؟ فإذا طعن فيهما وأتى بالجرح قبل جرحه، وقيل لصاحب الحق: ائت بغيرهما، فإذا أتى بغيرهما ولم يكن فيهما طعن حكم له، هذا إذا كان بعيداً مسافة قصر.
وهكذا لو ادعى على مستخف، فالمدعى عليه الذي عنده الحق هو موجود في هذا البلد ولكن لا ندري أين هو! إن كان في بيته فإنه يغلق بيته، وقد يكون عند صاحب له في طرف البلد ولم نقدر على إحضاره، والشهود يقولون: اكتب شهادتنا وإلا فسوف نسافر، فالقاضي يطلبهما ويكتب شهادتهما حتى يؤتى بالمدعى عليه.
وهكذا لو كانت الدعوى على ميت، قال: إن فلاناً الذي مات هو الذي اصطدم بجداري، أو هو الذي عمل هذا الحادث حتى مات معه ابني، ولكنه أيضاً مات، والبينة حاضرون، فالقاضي يكتب شهادتهم حتى يأتي ولي الميت ويدافع عنه؛ وذلك حتى لا تفوت الشهادة فالشهود قد يموتون، وقد يتفرقون، وقد يسافرون، فيكتب شهادتهم.
وكذلك لو كان المدعى عليه غير مكلف، ادعى أحد على هذا المجنون، أو على هذا الصبي أنه قتل، أو سرق، أو انتهب، أو أفسد ولم يكن له ولي الآن، لأن وليه غائب، فتقبل الشهادة وتكتب، ويسمع القاضي الشهادة ويحكم بموجبها.
قال: (إلا في حقوق الله تعالى) : حقوق الله مثل حد الزنا والخمر، وقطع الطريق، وترك الصلاة وما أشبه ذلك، فهذه لا تسمع وهو غائب حتى يحضر؛ لأنها مبنية على المسامحة، وأما حقوق الآدمي فإنها مبنية على المشاحة والمضايقة.
ولا تسمع على غائب حتى يحضر أو يمتنع، كإنسان موجود في البلد ادعيت عليه دعوى وهو حاضر، وعندك بينة، فلا تسمع بينتك حتى يحضر أو يرسلون إليه فيمتنع ويقول: لا أحضر ولا أعترف، فحينئذ يسمع القاضي البينة ويحكم بها إذا كان الحق لآدمي.
ثم في هذه الأزمنة قد يقال: إن الحالة قد تغيرت بالنسبة لمسافة القصر، كانت مسافة القصر مثلاً نحو خمسه وثمانين كيلو، ولكن في هذه الأزمنة تقطع هذه المسافة في ساعة أو في أقل من ساعة، ففي إمكان القاضي أن يقول: هذا الرجل قريب، ما بينك وبينه إلا ساعتان، ساعة ذهاب وساعة إياب، اذهب إليه بخطابي هذا، واطلب منه الحضور، فإذا امتنع بعد ذلك اشهدنا عليه، فأما أني أسمع دعواك وهو قريب في القصيم، وفي إمكانك أن تحضره فلا.
ففي يوم أو في نصف يوم، فليس هناك مسافة طويلة، أحضره حتى تسمع الدعوى وهو حاضر، وحتى تسمع البينة فيرد أو يكافح أو يجاوب.
وهكذا أيضاًَ تغيرت الحال بوجود المكالمات الهاتفية، فإن في الإمكان أن القاضي يتصل به إذا حضرت البينة وحضر المدعي، فهذا المدعى عليه يرفع السماعة ويكلمه القاضي فيقول: فلان ادعى أنك ظلمته، أو أنك جحدت أمانته، أو أنك هدمت جداره، أو قلعت شجرته، أو نحو ذلك، وأحضر بينة وهم فلان وفلان، فهل تطعن فيهما أو تقر بذلك؟ فإن لم تطعن فإننا سوف نحكم عليك.
فيتصل به ويخبره بالدعوى ويخبره بالشهود، ويطلب منه أن يطعن إن كان عنده مطعن، فإذا لم يكن عنده مطعن فإنه يحكم عليه.
فإذا قال: عندي مطعن طلب منه الحضور، حتى ولو كان خارج المملكة فيمكن أن يكلمه ولو كان في الشام أو في العراق أو في اليمن يقول: إنه حضر فلان وادعى عليك بكذا، فهل تعترف بهذا الحق أولا تعترف؟ فإذا قال: أعترف حكم عليه، وإذا قال: لا أعترف، قال: قد أحضر شهوداً وهم فلان وفلان، هل تطعن فيهم؟ فإذا قال: لا أطعن، حكم عليه، فإذا قال: إني أطعن فيهم سمع منه طعنه وجرحه، فإذا قال: أمهلوا القضية حتى أحضر أمكنه أن يمهله وأن يؤخر القضية لتقارب الأماكن.