لما ذكر الجلد والتغريب ذكر أن الرقيق المملوك عقوبته خمسون جلدة ذكراً أم أنثى، وأخذ ذلك من القرآن الكريم في سورة النساء، فذكر الله تعالى الإماء في قوله تعالى:{فَإِنْ أَتَيْنَ بِفَاحِشَةٍ فَعَلَيْهِنَّ نِصْفُ مَا عَلَى الْمُحْصَنَاتِ مِنْ الْعَذَابِ}[النساء:٢٥] والمراد الإماء، إذا أتين بفاحشة -يعني: بزنا- فعقوبتهن نصف عقوبة المحصنة، والعقوبة التي في القرآن للمحصنات مائة جلدة، ونصفها خمسون جلدة، فإذا زنت الأمة فإنها تجلد خمسين جلدة، ولا تغرب، ولا يغرب الرقيق ذكراً أم أنثى؛ لأن تغريبه يفوت منفعته وخدمته لسيده، والسيد ما أذنب.
والصحابة بعضهم فهموا من قول الله تعالى:{فَإِذَا أُحْصِنَّ فَإِنْ أَتَيْنَ بِفَاحِشَةٍ فَعَلَيْهِنَّ نِصْفُ مَا عَلَى الْمُحْصَنَاتِ مِنْ الْعَذَابِ}[النساء:٢٥] أن المراد بإحصانهم الزواج، فقالوا: يا رسول الله! إذا زنت الأمة ولم تحصن -أي: ما عقوبتها-؟ فقال:(إذا زنت فاجلدوها، ثم إن زنت فاجلدوها، ثم إن زنت فاجلدوها، ثم بيعوها ولو بحبل من شعر) ، وفي حديث آخر:(إذا زنت أمة أحدكم فليجلدها الحد، ولا يثرب) يعني: لا يوبخها بهذا ولا يعيبها ويعيرها؛ لأن الزنا في الإماء كثير، وأما في الحرائر فإنه عيب، وفي قصة مبايعة النبي صلى الله عليه وسلم للنساء في قريش كان من جملتهن: هند بنت عتبة امرأة أبي سفيان، بايعهن وقرأ عليهن الآية في آخر سورة الممتحنة:{عَلَى أَنْ لا يُشْرِكْنَ بِاللَّهِ شَيْئاً وَلا يَسْرِقْنَ وَلا يَزْنِينَ}[الممتحنة:١٢] ، فلما قال:(وَلا يَزْنِينَ) قالت هند: يا رسول الله! وهل تزني الحرة؟ استغراباً واستنكاراً؛ لأن الزنا إنما يكون في الإماء المماليك.
وقد ذكروا أن ابن أبي المنافق كان له أمتان، فكان يكرههما على الزنا ويقول: اذهبي فابغي لنا، والبغاء هو الزنا، والبغي هي الزانية، يكلفها ويكرهها أن تذهب وتزني وتأخذ أجرة وتأتي بها إلى سيدها، فأنزل الله تعالى:{وَلا تُكْرِهُوا فَتَيَاتِكُمْ عَلَى الْبِغَاءِ إِنْ أَرَدْنَ تَحَصُّناً}[النور:٣٣] ، والبغاء هو الزنا، أي: لا تكرهوهن على فعل فاحشة الزنا إذا أردن تحصناً وتحفظاً {وَمَنْ يُكْرِهُّنَّ فَإِنَّ اللَّهَ مِنْ بَعْدِ إِكْرَاهِهِنَّ غَفُورٌ رَحِيمٌ}[النور:٣٣] ، فإذا أكرهت -سواءٌ أكرهت على الزنا أم أكرهها سيدها على أن تزني- فلا ذنب عليها، والذنب على سيدها.
فالحاصل أن الرقيق ذكراً أو أنثى حده خمسون جلدة، وليس عليه تغريب، وأما المبعض فبحسابه، إذا كان -مثلاً- نصفه حر ونصفه رقيق فيجلد لكونه رقيقاً خمسين جلدة، ويجلد نصفه خمساً وعشرين جلدة، فيكون جلد الذي نصفه حر خمس وسبعون جلدة، والتغريب يغرب ثلاثة أشهر؛ لأنه سقط عنه التغريب كله بسبب كونه رقيقاً، ولما كان نصفه رقيقاً أخذنا نصف النصف فغربناه ربع السنة، هذا ما نقول، فكل مبعض بحسابه فيهما.
ومن المراد بالمحصن في قوله:[فيرجم زان محصن] ؟ المحصن من وطئ زوجته بنكاح صحيح في قبلها ولو مرة.
فمن تزوج زواجاً صحيحاً كامل الشروط، ودخل بامرأته وتمكن منها ووطئها في نكاح صحيح ولو مرة واحدة صدق عليه أنه محصن، وأنه هو الذي يرجم.